رئيس التحرير
عصام كامل

ليس كل من ذاق عرف


من ذاق عرف.. مثل تردد على ألسنة الصوفية قديما، ومازال يتردد حتى الآن.. ويقصد به أن من ذاق حلاوة الأنس والرضا والطمأنينة والسكينة من خلال العيش مع الله، والتقرب إليه بالطاعات وفعل الخيرات، أيقن أنه لا يجب أن ينفك عن هذه المعية أبدا..


ومن ذاق مرارة الحيرة والاضطراب والقلق والتوتر، بسبب الوقوع في الإثم والمعصية، أيقن أيضًا أنه يجب عليه أن يبتعد عنها وألا يقربها، وهكذا.. هذه هى القاعدة، لكن كما يقال لكل قاعدة استثناء..

فليس كل من ذاق عرف، أو ليس كل من عرف، كان لديه الحرص أن يغترف من معين الرضا أو يبتعد عن مصدر الحيرة والقلق.. فبعض الناس لا يتعلم، أو ليست لديه القدرة على التعلم.. وحتى من تعلم، ربما لا تكون لديه إمكانية استخلاص الدروس والعظات والعبر..

عجيب أمر إخواننا.. فقد ذاقوا على أيدى نظم الحكم الاستبدادية، خلال العقود الماضية، ألوانا شتى من القهر والقسوة والعنف، فضلا عن حرمانهم من الحرية، ما تفيض به مجلدات.. ولسنا بحاجة لأن نحكى تفاصيل ماجرى، فذلك مدون في كتب التاريخ وليرجع إليها من شاء..

ليسأل إخواننا أنفسهم.. ما الذي جرى حتى يكتسبوا هذا القدر من البغض والكراهية إلى هذه الدرجة التي دفعت البعض إلى الهجوم عليهم بهذه الشتائم والسخائم بأفحش الكلمات والعبارات، بل واقتحام مقراتهم، وحرقها؟!، ومن الذي تسبب في ذلك؟!، وما هو الدور الذي لعبوه لنصل إلى هذا الحال؟!..

في الأيام القليلة الماضية، بدأت مجموعات من الشباب حملة جمع توقيعات تحت عنوان "تمرد"، تعبيرا عن الرفض والاحتجاج على سياسة الدكتور مرسى، مطالبة إياه بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وكما هو واضح، فالحملة سلمية.. تتواصل مع الجماهير بشكل مباشر، في القاهرة والإسكندرية والمحافظات..

وكما هو واضح أيضًا، هناك تجاوب كبير، حيث وصل عدد التوقيعات لأكثر من مليونين في فترة قصيرة.. ومع التواصل، ربما تكون هناك مناقشات وحوارات حول الهدف من الحملة والأسباب والبواعث التي دفعت إليها..

ومن الطبيعى أن تتعرض هذه الحملة إلى هجوم شديد من كل فصائل التيار الإسلامى.. لكن نسى، أو تناسى، هؤلاء أنهم كانوا يجمعون التوقيعات مع الجمعية الوطنية للتغيير عام ٢٠١٠ قبل الثورة، رفضا واحتجاجا على ممارسات مبارك ونظامه..

نعم جاء الدكتور مرسى من خلال انتخابات حرة، وأنه أول رئيس مدنى منتخب.. لكن، من حيث المبدأ، من حق أي إنسان أو مجموعة أو حزب أو حركة أن تعلن رفضها للأسلوب الذي يحكم به والطريقة التي يدير بها..

لقد فشل الدكتور مرسى في أن ينال ثقة أطراف الجماعة الوطنية.. بل كان أداؤه سببا في انقسام مجتمعى حاد، واحتراب أهلي، وعنف، وقتل، وانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان.. لم يستطع الرجل أن يحقق الاستقرار السياسى المأمول، ولا التعافي الأمني المرجو، ولا أن يخطو خطوة واحدة تجاه العدالة الاجتماعية.. ناهينا عن التردد والارتباك في إصدار القرارات والتراجع عنها أو إلغائها، أو مشروعات القوانين التي تفتقر إلى الدراسة الجادة والموضوعية.

الجريدة الرسمية