«صنايعي ثلاثي أضواء المسرح».. الضيف أحمد من كوميديا الموقف لـ«ضحك تشغيل المخ»
«الجمهور عندنا بيضحك لأنه شغل مخه»، ملخص للمدرسة التي على أساسها عمل الفنان الكوميديان الراحل الضيف أحمد طيلة مشواره الفني؛ ليصبح وعن جدارة صنايعي الكوميديا في فرقة «ثلاثي أضواء المسرح»، ذلك اللقب الذي لقبه إياه الكاتب عمر طاهر في كتابه «صنايعية مصر»، ليكون الضيف أحمد أحد أهم الشخصيات التي ارتكز عليها طاهر في كتابه ما بين كتاب وسياسيين ورجال أعمال ومؤرخين وغيرهم ممن أسهموا بأعمالهم في نسج التاريخ المصري.
مقولة إن «الجمهور عندنا بيضحك لأنه شغل مخه»، قالها الضيف أحمد ردًا على سؤال الكاتب الكبير ثروت أباظة، حينما سأله أباظة، إن كانت الكوميديا ستستمر على النحو الذي يقدمه الضيف (كوميديا الموقف)، أم أنها ستعود يوما للكوميديا الإنسانية التي كان يقدمها الريحاني؟ فقال الضيف: «كلا النوعين سهل من الممكن لأي عمل أن يقدمه، لكن طموحي أن يكون المستقبل للكوميديا الفكرية، ثم أكمل قائلًا: «الجمهور عندنا بيضحك لأنه شغل مخه، وعثر فيما تقوله على فكرة، عندما دارت في مخه.. ضحك».
34 عامًا ليست عمرًا فنيًا كما حظي بها البعض، لتظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الجمهور، ولكنها العمر منذ المولد حتى الوفاة، فقد حظي الضيف أحمد بشهرة واسعة منقطعة النظير رغم عمره الفني القصير، الذي لم يتعد 8 سنوات، خاصة تلك التي حققها مع رفيقي دربه الفنانين «جورج سيدهم، وسمير غانم»، من خلال إسكتشات غنائية كوميدية في فرقة «ثلاثي أضواء المسرح»، ليكون أحد أهم أضلع المثلث الكوميدي بل «الترس» الفعال والمحرك لمجريات الكوميديا لزميليه في الفرقة.
أكثر من 40 عملًا فنيًا لخصت مشوار الفنان الشاب الراحل الذي توفي وهو لم يبلغ الرابعة والثلاثين من عمره، بشكل مفاجئ في أوج شهرته، ورغم ارتباط اسمه بفرقته «ثلاثي أضواء المسرح» التي أسسها بشكل رسمي بعد شرائهم مسرح الهوسايبر قبل وفاته بثلاثة أعوام مع صديقيه سمير غانم وجورج سيدهم، إلا أن اسم الضيف أحمد ارتبط بالعديد من الأعمال الأخرى والتي نجح من خلالها بعيدًا عن فرقة الثلاثي، منها دوره في مسرحية «أنا وهو وهي» مع الفنان الكبير الراحل فؤاد المهندس، وبعدها الفيلم بنفس الاسم، مما جعله أيقونة للكوميديا على مر العصور، وكان ذلك من قبيل الصدفة التي قادت «المهندس» ليبحث عن وجه جديد يقوم بأداء شخصية الخادم بالمسرحية، ومنها إلى الفيلم الذي حمل نفس الاسم.
فعندما أراد المهندس أن يحضر عرض مسرحية «الإخوة كارامازوف»، قال له صديقه إنه لن يجد الممثل الذي يبحث عنه لمسرحيته الكوميدية الجديدة في هذا العرض الجاد ليرد عليه المهندس قائلًا: «لن نخسر شيئًا» وبالفعل حضر العرض وخرج بالضيف أحمد ليضعه على بداية طريقه الفني القصير ويقدم عدة مشاهد بالمسرحية والفيلم والتي ظل المشاهدون يرددون حوارها حتى الآن خاصة في مشاهده مع النمساوي إمبراطور الليل، وجملتهما الشهيرة خلال الأحداث «أنا مين ياض؟».
«أنا ليه.. أنا إزاي.. أنا إمتى؟».. مشهد عابر وكلمات مبعثرة غير متناسقة ربما يغلب عليها الطابع الفلسفي، ظهر الضيف أحمد بفيلم «عروس النيل» مع الفنان رشدي أباظة، حيث جسد دور أحد «المجانين» الموجودين بمستشفى الأمراض العقلية.
ومشهد صغير أداه الضيف أحمد في فيلم “مراتي مدير عام” مع الفنانة شادية والفنان صلاح ذو الفقار، حيث جسد دور محمدين عامل الفندق “المستغرب”، ورغم أن المشهد لم يحتوِ على حوار كوميدي، بل كان استغراب “الضيف” وتوجيهه 3 أسئلة لـ حسين “إيه.. فين.. كام؟” هي أساس الكوميديا بالمشهد.
مشهد آخر ترك من خلاله صاحب المشوار القصير علامة لدى متابعيه، من خلال جملة كررها أكثر من مرة في فيلم «الحياة حلوة» عندما قدم شخصية السمسار «أجلاسيه» الذي «يستلقط الزبون» من الشوارع أو الكورنيش في إسكندرية ليدله على أحد الفنادق المميزة «لوكاندة المندرة» ويأخذ مكافأته فيقدم نصائحه للعاملين بالفندق بأن بعبارته الشهيرة «أكل العيش يحب الخفيّة».
قدم دور الخادم الوفي «عثمان» في فيلم «مطلوب زوجة فورًا» مع الفنان فريد شوقي والفنان محمود المليجي، فكانت عبارته الشهيرة من خلال الدعاء الذي يدعو به دائمًا لسيده حلمي بك «يا رب ابعد عننا 3 حاجات.. الستات والحجوزات وأصحاب الديونات».
كبار الكتاب كان لهم رأي في الضيف أحمد وموهبته التي فرضت نفسها على الساحة بطريقة مبتكرة معتمدة تمام الاعتماد على الكوميديا الفكرية التي تناقش أفكار وقضايا اجتماعية واقتصادية، منهم :-
مصطفى أمين الذي قال: «كان الضيف يزورنى في مكتبى ونتحدث عن تجربة شارلى شابلن وكان الضيف يحاول أن يضع يده على مفاتيح نجاحها ليكررها وكان صادقا في ذلك».
ويأتي صلاح حافظ، ليقول: «هناك ممثل يشبه عازف الكمان الموهوب، عازف كمان لا يجد نوع الفن الذي يقدمه رواجا كبيرا، فقرر حتى يصل إلى جمهور أكبر أن يكون لاعب أكروبات في السيرك، ينتظر اللحظة التي سيكون سابحا فيها في الهواء والأنظار كلها معلقة به فيخرج من سترته الكمان ليقدم اللحن الذي يحبه».
بعد عودة الثلاثى من الأردن بعد أن شاركوا في حفل زفاف شقيقة الملك حسين، عاد كل فرد إلى منزله فيما عدا الضيف الذي توجه إلى مسرح الهوسابير، وهناك اتصل ببقية أعضاء الفرقة صائحا (بروفة)، كان هو مخرج العرض الجديد «الراجل اللي اتجوز مراته»، الضيف عموما كان مخرجا ومؤلفا وملحنا لإسكتشات الثلاثى ومديرا للفريق ومسرحه وكاتبا لسيناريو أفلامه وأفلام غيره على سبيل المثال «ربع دستة أشرار» للفنان الراحل فؤاد المهندس.
فما كان من أعضاء الفرقة، إلا أن حاولوا إقناعه بتأجيل «البروفة»، قائلين: «الصباح رباح ولنعاود العمل غدا»، لكن الضيف كانت لديه فكرة بخصوص مشهد النهاية لا يمكن تأجيلها، كان مشهد النهاية يقوم على فكرة أن يرقد الضيف أحمد داخل «تابوت»، وتكون آخر كلماته في المشهد: «انا لما أموت الناس هتبتدى تتكلم عنى.. أنا نكرة دلوقتى.. لكن بكرة تعرفوا لما أموت الناس هتقول إيه».
فرفض جورج سيدهم الكلام الذي أضيف للشخصية واعترض على الضيف قائلا: «لا يا ضيف الكلام تقيل قوي».. فقال الضيف: «ليه بتخافوا من الموت ده الموت علينا حق؟».. ليرد عليه جورج قائلًا: «آه علينا حق.. بس مش بنقدمه للناس.. إحنا عايزين الناس تضحك».. فقال الضيف: «أنا هاخلى الناس تشوف الضحك اللى في الموت»، أصر الضيف على وجهة نظره وانتهت «البروفة» وصافح زملاءه وانصرف، وعندما وصل إلى منزله اتجه إلى الفراش متعبا، بعد قليل بدأ يشكو من ضيق في التنفس، ازداد الألم فطلب من زوجته أن تتصل بالطبيب، فات وقت طويل دون أن يصل، كان الألم يزيد، فطلب الضيف من زوجته أن تنقله في سيارة إسعاف إلى أقرب مستشفى، في الطريق إلى مستشفى العجوزة كان قد فارق الحياة، ناهيًا مسيرته الفنية بنبوءة وفاته، قبل أن يكتمل مشهده من المسرحية الأخيرة.
فما كان من الفنان الراحل فؤاد المهندس، إلا إستكمال إخراج المسرحية بديلًا عن الضيف، قائلًا: «سأكمل إخراج المسرحية بشرط أن تظهر للناس وعليها اسم المخرج الأصلي الضيف أحمد».
الضيف أحمد ولد بمدينة تمى الأمديد بالدقهلية، في 12 ديسمبر عام 1936، ورحل عن عالمنا في 16 أبريل 1970، تزوج الفنان الراحل من السيدة نبيلة مندور، وأنجب منها ابنة واحدة.
ظهرت موهبته في التمثيل وهو لا يزال طالبا فحصل على عدة جوائز عن الأدوار التي أداها على مسرح الجامعة وأيضا عن إخراجه لعدة أعمال من روائع المسرح العالمي.
وشارك في بطولة عدد من الأفلام منها «المجانين الثلاثة، شاطئ المرح، وشباب مجنون جدًا»، بالإضافة لعدد من المسرحيات منها «طبيخ الملايكة، زيارة غرامية، وكل واحد له عفريت».