رئيس التحرير
عصام كامل

رحلة صالح فرهود إمبراطور «الفاكهة والخضراوات».. التاجر الكبير بدأ من «ميت بدر حلاوة».. عوائق الانتقال لباريس الأصعب في حياته.. التقى 17 رئيسا.. ورئيس الجالية المصرية في فرنسا تكليل

فيتو

من شوارع قرية «ميت بدر حلاوة» التابعة لمدينة المنصورة، محافظة الدقهلية، وحتى عاصمة الدولة الفرنسية «باريس» آلاف الكيلومترات، غير إن صالح فرهود ابن القرية المصرية، استطاع عبورها، بعدما قرر ترك مسيرته التعليمية في بداية العشرينيات من عمره، ليحمل شنطة ملابسه فوق كتفيه، وأحلامه في قلبه.


البداية
البداية في بلاد ما وراء البحر لم تكن سهلة، عقبات عدة وقفت في طريق الشاب «صالح» جعلته شريدًا في شوارع إسبانيا وفرنسا قبل أن ينهض من مستنقع الفشل إلى النجاح ويصبح رئيسا للجالية المصرية بفرنسا.

الخطوة الأولى كانت في العام 1979 عندما قرر صالح فرهود، ابن قرية «ميت بدر حلاوة» في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية اتخاذ خطوة جديدة في بناء مستقبله، تاركًا دراسته وراء ظهره والسفر خارج البلاد بحثًا عن فرصة عمل تساعده على وضع قدميه على أولى درجات سلم النجاح.

صعوبات
«فرهود» واجه صعوبات كثيرة في أول حياته عندما ترك أرضه في مصر قبل أن يتربع على عرش تجارة الخَضراوات في «باريس»، التي حاول دخولها بطريقة غير شرعية مع مجموعة من أصدقائه المصريين، وواجه حينها عقبات كثيرة والتي تمثلت في عبور الحدود في الليل سيرًا على الأقدام لمدة تتراوح من 4 إلى 5 ساعات في الجبال، قبل أن يتمكن حرس الحدود من إلقاء القبض عليهم وإعادتهم مرة أخرى لنقطة البداية (إسبانيا) بعد خضوعهم لتحقيقات مكثفة.

العودة إلى نقطة الصفر (إسبانيا)، لم تضعف عزيمة «فرهود» ورفاقه بل زادتهم إصرارًا على دخول فرنسا، فقرروا هذه المرة استقلال القطار أملا في أن تنجح خطتهم في دخول مدينة الأحلام دون أن يتم القبض عليهم مرة أخرى.

بائع جرائد
المجموعة الصغيرة تمكنت من عبور الحدود والوصول إلى فرنسا، في البداية عمل «فرهود» بائع جرائد، عاملا في محل خضراوات، وشيف في مطعم، وفي شراء خضراوات للمطاعم، وبائع عنب، وأخيرًا قرر الاعتماد على نفسه والعمل بمفرده في مجاله الذي ورثه عن آبائه وأجداده بعد أن أجرى دراسة كاملة وشاملة لسوق الجملة الفرنسي، ولكونه «ابن كار» في تجارة الفاكهة والخَضراوات منذ زمن بعيد نجحت تجارته في جنة باريس، وتمكن من فتح «محل» خاص به، وذاع صيته وسط التجار الفرنسيين.

إمبراطورية فرهود
في مطلع عام 1987، بعد أن توسعت تجارته وأصبح يمتلك عددًا كبيرًا من المحال التجارية، قرر الربط بين التجارة المصرية والفرنسية من خلال استيراد الفاكهة من المزارع التابعة لشقيقيه في مصر، واللذان يعملان في تجارة الفاكهة والخَضراوات منذ طفولتهما، كما جلب عددا من أفراد عائلته وساعدهم في توفير فرص عمل تؤمن مستقبلهم وبناء عائلة «فرهود» في فرنسا.

بمرور الأيام، تحسنت الأحوال وذهب فرهود لزيارة بيت الله الحرام عام 1985، وكان حينها أصغر شخص يغادر من فرنسا لقضاء مناسك الحج، وأصبح الجميع ينادونه بـ«الحاج صالح»، وظل يلازمه هذا اللقب حتى وقتنا الحالي.

وفي السعودية التقى بوالدته نظرًا لعدم قدرته على العودة إلى مصر وزيارة عائلته بسبب تخلفه عن قضاء الخدمة العسكرية، الأمر الذي حال بينه وبين العودة إلى وطنه لمدة 10 سنوات كاملة حتى سقطت عنه، وأصبح بعدها يزور مصر أكثر من 4 مرات في العام الواحد.

الإقامة
بعد أن شعر «فرهود» بنجاح رحلته عندما حصل على الإقامة عام 1985 بموجب القرار الذي أصدره الرئيس الفرنسي حينها فرانسوا ميتيران، بمنح كل الأجانب المتواجدين قبل سنة 1980 الإقامة، ولحسن حظه كان «إمبراطور سوق الخضار» ضمن هؤلاء الأشخاص، وبالفعل حصل على الإقامة الشرعية، بدأ يفكر في الزواج وجعل حياته أكثر استقرارا وبالفعل تزوج من فتاة جزائرية تمكنت من خطف قلبه وعينيه، وأكملا سويا رحلة النجاح، ومن ثم رزقه الله عز وجل بأربعة أولاد وفتاة.

العودة لمصر
بعد أن سقطت الخدمة العسكرية عن «فرهود» تمكن من العودة لمصر مرة أخرى وهنا تزوج من امرأة مصرية بعد انفصاله عن زوجته الأولى وأنجب منها هي الأخرى ثلاث بنات ما زلن يعشن في مصر بمدينة «الشيخ زايد».

تحسنت أوضاع «فرهود» الاقتصادية والمالية، وأصبح الاستقرار يدق أبوابه في نهاية عام 1985 الذي يعتبر «عام الخير» بالنسبة له، اشترك في لجنة الشباب في الاتحاد المصري بفرنسا، وتم انتخابه حينها رئيسا لاتحاد المصريين بفرنسا، وحصل على الجنسية الفرنسية في عام 1990، وفي نهاية عام 2004 جرت انتخابات للجالية المصرية في فرنسا، واكتسحت قائمة فرهود هذه الانتخابات، ومنذ هذا التوقيت يخوض فرهود الانتخابات كل سنتين، ويتم اختياره باكتساح نظرًا لمصداقيته بين المصريين والوفاء بوعوده.

في عام 2005، سعى «فرهود» لتقديم المزيد من المهام التحفيزية للشباب المصري بفرنسا من خلال عمل دورات رياضية للمصريين، خاصة العاملين معه في مجال التجارة والبالغ عددهم 72 مصريا، والتي انتشر صداها في أنحاء فرنسا، وأصبحت مشتركة بين الجنسيتين، ليس ذلك فحسب، بل حرص على تنظيم جلسات خاصة لحث الشباب المصري المولود بالخارج على حب الوطن وحب الانتماء لمصر وسرد قصص محفزة عن مصر والمصريين، والتأكيد لهم بأنهم نواة قوية لمصر داخل فرنسا.

وبفضل رئاسته للاتحاد ودوره البارز تمكن «فرهود» من المشاركة في مؤتمرات عديدة بين مصر وفرنسا، التقى على أثرها بأشهر الرؤساء المصريين والفرنسيين، من بينهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك وزوجته، والرئيس نيكولاي ساركوزي، والرئيس فرانسوا هولاند، والرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الذي لا يزال «فرهود» متذكرًا أنه التقى به 17 مرة، والرئيس عبد الفتاح السيسي وغيرهم من كبار القادة السياسيين إلى جانب مشاركته في اجتماعات عقدت داخل مجلس الوزراء.

عادة ما يتناسى بعض الأشخاص حياتهم الدينية عندما تتوسع حياتهم العملية ويصبحوا مسلمين بالاسم فقط، لكن "فرهود"، كان متمسكًا بحياته الدينية ونشر ثقافة الدين الإسلامي في البلد الأجنبي التي يقيم فيها، ويكون جامعًا لهم وحافظًا على تعاليم الدين الإسلامي الصحيح.

وبالفعل نجح فرهود في إقناع رجل يهودي باستئجار قطعة أرض يمتلكها، ومن خلال جمع التبرعات افتتح مسجد «الروضة» المشهور باسم «بيت المصريين» في العاصمة الفرنسية «باريس» والذي يتسع لأكثر من 2500 مصلٍّ، تزامنًا مع ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بتكلفة تخطت الـ205 آلاف يورو، على مساحة 1200 متر مربع، الدور الأول يضم صالة اجتماعات ومدرسة لتعليم القرآن الكريم واللغة العربية، والدور الثاني مكتب رئيس المسجد وبعض حجرات لاستقبال الضيوف.
الجريدة الرسمية