الحارة والعطش والجيران واللحمة و.. وأفريقيا!
اشترت إحدى الأسر منزلا في إحدى الحارات الشعبية وبعد أيام انفجرت ماسورة المياه في أحد المنازل.. صار المنزل الوحيد بغير مياه.. نزل أفراد الأسرة إلى الحارة لمعرفة سبب الانقطاع والبحث عن حل.. اثنان من الجيران ظهرا فجأة وأقنعا السكان الجدد بأنه سوف يتم توفير المياه للشرب وللاستخدام الشخصي لهم لحين إصلاح العطل الذي يبدو أنه سيتأخر إلى أجل غير معروف.. وافقت الأسرة على الفور لعدم القدرة على الحياة بغير مياه..
وفجأة شاهد أفراد الأسرة الجديدة على الحارة أن المياه محمولة من بعيد على إحدى السيارات قادمة من خارج الحارة.. ومن بعدها عربة أخرى قادمة من الجانب الآخر يقودها الجار الآخر.. عرفوا أنهم ينقلون المياه من أحد الأحياء البعيدة وليس حتى من الشارع المجاور أو الآخر القريب!
شكروهما على المياه ولكن سألوهما عن السبب في عدم نقل المياه من المنزل المجاور لهم مباشرة أو من المنزل الذي يليه وهو أقرب إليهم جدا، وهو ما يوفر الوقت والجهد والمال.. لكن كانت الإجابة واحدة من الاثنتين "هذا أفضل".. "المياه هناك كثيرة"!
كان السؤال يشغل بال السكان الجدد يوميا وبعد أيام اعتادوا على الأمر ولم يكرروه، إلا أن عددا من سكان الحارة وخصوصا جيرانهم الملاصقين حاولوا لفت انتباهم إلى غرابة الموقف وأنهم بذلك يشربون المياه بأضعاف أسعارها، فضلا عن الوقت والجهد.. ويوما بعد يوم لاحظ الأهالي أن المياه لم تعد حتى الآن فعلا لهذا المنزل تحديدا، ولم يتم إصلاح العطل به تحديدا، ولكن بقي السؤال كما هو.. لماذا لا يحصل أهل هذا البيت على المياه من جيرانهم أو أي منزل من الحارة ويشربون مياها تأتيهم من حي آخر بعيد؟!
وإلى الآن لا إجابة!
كثيرون كلما روينا عليهم القصة يقولون في براءة إنه لا بد أن أرباح الشخصين المذكورين كبيرة جدا.. تفوق ربحهما لو نقلاها من المنزل المجاور للأسرة المذكورة.. وهذا التفسير لم يكن يحتاج إلى أي جهد ولا لأي ذكاء.. الدهشة من استمرار الأزمة.. وإن كانت الأزمة لا حل سريع لها.. فلماذا لا تنقل الأسرة المياه بنفسها أو تستبدل الشخصين أو تقوم بتوصيل خط مياه إضافي من عند الجيران لحين إصلاح العطل بمنزلهم؟!
ولا أحد يعرف الإجابة..
أحد سكان الحارة قال ربما لأن السكان الجدد أرادوا الالتزام بما التزم به السكان الذين سبقوهم! ربما.. لكن زالت الدهشة عندما عرفنا أن الدولة ورئيسها يبذلان جهودا جبارة لاسترداد مكانة مصر بأفريقيا لكننا نترك أفريقيا كلها ونذهب لاستيراد اللحوم من البرازيل والهند!
لا أحد يعرف السر، إلا أن القطاع الخاص يفعل ذلك منذ أنظمة سابقة!