رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

من الأفندية لعمائم الأسياد.. قصة أقدم محل لصناعة الطرابيش في الصعيد (فيديو وصور)

فيتو

"اعدل طربوشك يا فندي..هو مش مكوي ليه.. انت متعرفش أن الطربوش المكوي يا فندي عنوانك" كلمات تعودنا على سمعها في الأفلام ومسلسلات الأبيض والأسود، وكان الكثير منا لا يعرف ما قيمة الطربوش في وقتنا الحالي ولكن في وقت ما كان عنوان للإنسان وقيمة كبيرة، وصناعة كانت بمثابة ضرورة لقيمته الثمينة.


في وسط زقاق ضيق بحارة صغيرة بمنطقة السوق الفوقاني، بمدينة قنا العتيقة، يوجد محل كبير بين جدرانه محفورة علامات التاريخ، وبداية مدخله أدوات نحاسية تحكي حقبة تاريخية تعود لعام 1938 تقريبًا، ورجل يقترب من نهاية الأربعينيات، يرتدي قميصًا وبنطلونا ويقف على تلك الأدوات النحاسية، وبجواره راديو قديم يعمل على إذاعة أغاني السيدة أم كلثوم، وأعلى جدران المحل صور لأشخاص يرتدون طرابيش، للوهلة الأولى تشعر أن آلة الزمن عادت بك لأواخر الأربعينيات، وفجأة يخرج صوت يقول لك "نرجع بالزمن للوراء وتسمعوا التاريخ".

زمن الأخلاق الجميل
بتلك الكلمات بدأ أشرف حسني صبري الطرابيشي، صاحب أقدم محل طرابيش في صعيد مصر، الذي أكد على أنه توارث تلك المهنة عن آبائه وأجداده الذين توارثوا هذا المحل منذ عام 1938 تقريبًا، منوهًا إلى أنه لا يتذكر كثيرًا تاريخ جده ولم يعاصره ولكنه كان يسمع أنه كان أقدم صانع طرابيش في صعيد مصر وكان المحل يأتي إليه العديد من الأفندية والبهوات في هذا الوقت، وكان وقتها الطربوش بالنسبة للرجل قامة وهيبة لا مثيل لها.

واستطرد قائلًا: "الطربوش كان ثمنه نحو 10 جنيهات والجميع كان يحرص على شرائه، دون أي فصال ولذا كان يتوافد على هذا المحل العديد من كبار الشخصيات والبهوات في زمن الطربوش، ولكن مع بداية نهاية الأربعينيات وبالتحديد في عام 1956 بدأ هذا الأمر يقل الإقبال عليه، وأصبحت صناعة الطرابيش تراثا، وفي ذلك الوقت كان والدي قد تولى إدارة شئون المحل وبدأ العمل في صناعة الطرابيش ولكن بشكل مختلف".

من طرابيش الأفندية لعمائم الأسياد
وأردف أشرف، قائلًا: "في ذلك الوقت بدأ الأزهر الشريف يتوافد إليه الكثير من الطلاب، وكان ولا يزال لهم زي معين يحرصون عليه والطربوش كان بالنسبة لهم من أوائل هذا الزي، وبدأ والدي في صناعة طرابيش أصحاب العمائم كما يطلق عليهم، وللطربوش الأزهري مواصفات معينة ليست موجودة في أي مكان ولذا كان كبار العلماء والأزهريون يحرصون على اقتنائه من هنا».

وأضاف: «بدأت في تعلم المهنة في سن مبكرة من العمر وكان يبلغ عمرى 25 عامًا بشكل احترافي ومن هنا بدأت احترف الصناعة بشكل جيد، وهو ما جعل الكثير يتوافدون علينا ولم تنقطع الرجل علينا كما يقولون».

الحلفاوي أشهر زبائنه
وأكد «أشرف» أن من أشهر المترددين عليهم الشيخ الحلفاوي، وبعض رجال الدين المعروفين بالمحافظة، والصعيد أيضًا، والكثير كان يشتري كهدايا إلى أشخاص آخرين وهو ما جعل شهرتنا معروفة للكثير من الزبائن.

وعن أسعار الطربوش قال وصلت إلى 350 جنيهًا حاليًا، وهي بالطبع في زيادة بسبب المستلزمات الخاصة به ولكن هذا لم يؤثر علينا فالجميع يعلم صناعتنا جيدًا ولا يزالون يحرصون على اقتنائه منا.

فشل صيني
قال أشرف ضاحكا: "الصين فشلت في اختراق صناعتنا بسبب زر الحرير"، موضحا "الصينيون يصنعوا الطربوش وبه زر أسود من القماش وهذا يعد إهانة كبيرة للشيخ فيجب أن يكون الطربوش بمواصفات معينة وهي أن يكون الزر من الحرير"، ولهذا الأمر فشل الصينيون في تلك الصناعة ولم يتم اختراقها.

وأكد أن الصين نجحت في اختراق الكثير من الصناعات الأخرى في مصر وخارجها ولكن القناوية غلبوا الصينيون في تلك الصناعة.

الحرير بالجرام والخوص باللفة
وأضاف أن من أكثر الصعوبات التي تواجه الصناعة ارتفاع أسعار المستلزمات فشراء الحرير كان باللفة وأصبح حاليًا بالجرام، مشيرا إلى أن سعر الخوص زاد بطريقة رهيبة أيضًا فبعد أن كانت لفة الخوص بــ50جنيهًا أصبحت بـ75 جنيهًا، ومن أهم مستلزمات الصناعة الجيدة هو أن يكون بهذا الشكل وبتلك المستلزمات ولا نستطيع الاستغناء عنها مهما كلفنا الأمر من رفع سعر.

لن نبيع أدواتنا
وأكد أشرف «تلك الأدوات النحاسية لا يوجد لها مثيل في أي مكان مصر، فهذه الأدوات قديمة جدًا وتم توارثها منذ عشرات السنين، وأن هذه الأدوات تراث قديم لا يقدر بثمن ومهما كانت المبالغ المدفوعة لن توفي قيمة هذا التاريخ والتراث الذي يحكي حقبة زمنية من تاريخ بلادنا وصناعتنا، ولذا فأنا حريص على الاحتفاظ بها وعدم التفريط فيها، ورغم أني لم أعلم أحدًا من أولادي فهم جميعًا بنات إلا أني أحكي لهم دومًا عن قيمتها، وتركت كل شيء كما هو وحتى الخشب الموجود في هذا المكان كله تراث والأدوات وصور جدي ووالدي، واحتفظ بأسطوانات الغاز ووابور التشغيل والمخرطة والتضليعة التي يتم بها تطبيق وكي الطربوش بشكل مضلع كما هو واضح في شكل طربوش الشيخ».
Advertisements
الجريدة الرسمية