رئيس التحرير
عصام كامل

الجيش الإسرائيلي في الفخ


إن الرسائل التى ينقلها قادة الجيش الإسرائيلى لجنوده تبدو متناقضة فمن ناحية يحاول الجيش الإسرائيلى منع التظاهر الشعبى للفلسطينيين ومن ناحية أخرى يسعى لتجنب فرار جنود الجيش الإسرائيلي من هجمات الحشود الفلسطينية .


وهذا يذكرنا بما حدث أثناء عملية "عامود السحاب" التى وقعت في شهر نوفمبر الماضى حيث قامت سيارة جيب بها عدد من جنود الاحتياط الإسرائيلى في منطقة "مفو دوتان" الواقعة بشمال الضفة راغبين في عبور الطريق الواقع بمنطقة جنين مثل كل يوم إلا أنهم اصطدموا بحاجز للشرطة الفلسطينية والذى يقف وراءه عدد من أفراد الشرطة التابع للسلطة الفلسطينية قائلين لجنود الاحتياط الإسرائيلى إن الطريق أصبح مغلقاً من الآن، وها هم جنود الاحتياط الاسرائيلى لم يحاولوا حتى النقاش معهم، وقد ولوا مدبرين إلى قاعدة في طريق التفافي استغرق منهم أكثر من ساعة للوصول إليها .

هؤلاء الأفراد تحولوا إلى أبطال وطنيين في المناطق المحتلة على مدى أسبوع، وعلى النقيض لم تذكر في وسائل الإعلام الإسرائيلية أى شيء عن الحدث إلا أنه كل ما حدث فقط هو أن رجال الاحتياط الاسرائيلى حصلوا على شرح شفاهى من قاداتهم بأنهم كان ينبغي أن يصروا على العبور من الطريق وهنا تحديداً تكمن المشكلة .

حيث إن ما يعتبره الجيش والجمهور الإسرائيلي أحداثا تافهة يمكنها بسهولة أن تتطور داخل الروح الفلسطينية لتصبح فكرة جديدة، فالتاريخ خير شاهد على ذلك حيث إن اتفاقات أوسلو جاءت في أعقاب الانتفاضة الأولى والتي نشأت منها الفكرة الفلسطينية التي تقول إن الحجر انتصر على البندقية الإسرائيلية .

فمن ناحية الجيش الإسرائيلي فإن تعامل الجنود النظاميين مع أعمال الإخلال بالنظام في المناطق المحتلة هو أمر أكثر موضوعية وحزم من أداء رجال الاحتياط، كما أن القادة في الجيش الإسرائيلى يفضلون الامتناع عن مرابطة رجال الاحتياط في الضفة الغربية.

إن الوضع على أرض الواقع معقد وإلى أن يبدأوا بدراسته تنتهي فترة خدمة الاحتياط وتأتي دورة جديدة وهلم جرا، كما أن رجال الاحتياط أكثر ترددا بكثير في استخدام السلاح، وعندما لا تكون المهمة الميدانية واضحة أمامهم فإنهم يسعون إلى إنهاء الخدمة والعودة إلى ديارهم بأمان وفى مرات عديدة تكون المهمة بالتأكيد غير واضحة.

في العقد الماضي لم يرسل الجيش الإسرائيلي برجال الاحتياط إلى الضفة الغربية، بل جعلهم في جبهات تعد أكثر هدوءاً مثل سوريا ومصر، إلا أن المشكلة هي أنه في هذه الأثناء أصبحت هاتان الجبهتان أكثر سخونة للغاية وحالياً هى تجتذب إليها القوات النظامية إلا أنه لا يمكن إيقاع ذنب ما يحدث في المناطق المحتلة على رجال الاحتياط أنفسهم.

والحقيقة هي أن الجيش الإسرائيلي يقع حالياً في فخ، فالقادة ينقلون للمقاتلين بالفعل رسائل متضاربة، فمن ناحية يمتنعون بأى وسيلة عن إلحاق أى إصابات في صفوف الفلسطينيين مما يثير المشاعر أكثر فأكثر، ومن ناحية أخرى يمتنعون عن بث الصور المهينة التى تظهر جنود الجيش الإسرائيلى يفرون من امام الحشود الفلسطينية، لذا فإنه من الصعب جدا الإمساك بالعصا من جانبيها حيث يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يستمر في التطور لتلبية المهمة مع الحد الادنى من إثارة المنطقة.

لذا فإن أحد السبل المتاحة هو استخدام كميات أكبر من الوسائل القتالية الأقل فتكا فالجيش الإسرائيلي يشتريها الآن وبكميات ولكن هذا غير كاف حيث يتطلب تعليمات واضحة للجنود ومن منظومة رجال الاحتياط أيضًا، ومع ذلك يجب التصميم على العمل في كل اشتباك على الأرض .. وإلا فإن الهدوء النسبي السائد اليوم سنشتريه بثمن الفوضى غدا.

نقلا عن معاريف
الجريدة الرسمية