مستشار وزير البيئة الأسبق: مافيا محلية تنهب محمياتنا الطبيعية وتهربها عبر شحنات دبلوماسية
- أدعو لوضع خطة للتجفيف الفوري لمنابع الفحم الحجري
- هناك مطامع لاقتطاع جزء من محمية الغابة المتحجرة لصالح أصحاب النفوذ بأسعار زهيدة
- رجال الأعمال الانتهازيون رضوا تحول بلادهم لمقلب قمامة العالم باستيرادهم للفحم الحجرى
- الاستعانة بالتجربة الألمانية في التعامل مع المخالفة «خطوة جيدة»
- دخول القطاع الخاص المصري أو الأجنبي سيخفف العبء عن الدولة في مجال تمويل الاستثمارات البيئية
«مافيا.. عصابات دولية.. الماسونية العالمية.. بعثات دبلوماسية أجنبية.. عمليات نهب منتظمة.. ومراكز قوى».. مصطلحات صادمة كانت حاضرة بقوة خلال دقائق الحوار الطويلة مع المهندس حسام محرم، مستشار وزير البيئة الأسبق، الذي أزاح الستار عن كواليس تستحق أن توصف بـ«المرعبة».
مستشار وزير البيئة الأسبق، يتحدث عن المحميات الطبيعية وثرواتها التي نُهبت – ولا تزال خاضعة للنهب وإن كان بمعدلات أقل- خلال السنوات الماضية، كاشفًا كواليس المؤامرات الدولية والعصابات العالمية التي تدير «مافيا التهريب»، ومشيرًا إلى الجهود التي يتم بذلها في السنوات الأخيرة لمواجهة هذه العمليات القذرة التي تسعى لنهب تاريخ وثروات مصر.
«الأداء البيئي الرسمي».. هو الآخر كان حاضرًا على طاولة الحوار مع المهندس حسام محرم، لا سيما وأن هناك حالة من عدم الرضا العام بالأداء البيئي من جانب المواطن المصري، ويري المهندس حسام محرم، مستشار وزير البيئة الأسبق أن أهم أسباب ضعف الأداء البيئي في مصر، يرجع إلى غياب التوازن بين جماعات الضغط الاقتصادي وجماعات الضغط البيئي.. وعن رؤيته لهذا الأداء وموقفه من الخطوات التي تتخذها وزارة البيئة في الفترة الأخيرة وأمور أخرى كان الحوار التالي:
بداية.. متى تنتهي أزمة القمامة في مصر؟ وهل تتوقع نجاح التجربة الألمانية في التعامل مع المخلفات بطريقة إعادة التدوير؟
هناك عدة بدائل يمكن من خلالها التعامل مع المخلفات في مصر، منها إعادة الاستخدام، والذي يتمثل في استخدام المخلفات مرة أخرى كما هي بنفس صورتها الأولى، أما البديل الثاني فيتمثل في «إعادة التدوير» ويعني إعادة تشكيل المادة لاستخدامها في منتج آخر مما يعظم قيمتها، وتوجد في مصر صناعة إعادة تدوير لكن نحتاج إلى أن نعظمها بشكل أكبر، حيث تبلغ كمية المخلفات الصلبة لدينا نحو 22 مليون طن سنويا، بمعدل يومي نصف كيلو للفرد الواحد، ويتم إعادة تدوير نسبة منها تشير بعض التقديرات إلى أنها لا تتعدي 12%، بينما يكون مصير بقية المخلفات الحرق أو الدفن.
أما فيما يتعلق بتطبيق التجربة الألمانية، فمن الجيد إشراك شركات عالمية على الأقل في بداية التجربة للاستفادة من خبراتها في مجال تخطيط وتصميم وإنشاء وإدارة هذه المرافق بما لديها من معرفة فنية متكاملة لا غنى عنها لنقل الخبرات إلى الشركات الوطنية، ومن ثم الاعتماد تدريجيًا على الشركات المصرية بعد رسوخ أقدامها، كما أرى أن دخول القطاع الخاص المصري أو الأجنبي سيخفف العبء على الدولة في مجال تمويل تلك الاستثمارات البيئية، فضلًا عن أنه سيحقق قدر أكبر من المرونة والكفاءة في إدارة هذا المرفق.
وإجمالًا.. فإنني أرى أن الوقت مبكر للتقييم الدقيق للتجربة الجديدة، وإن كنت أعتقد أنها ستكون أفضل من الأوضاع القديمة التي كانت تتسم بدرجة كبيرة من عدم التنظيم والارتجالية بدرجة تجعلنا نقول إنه لم تكن هناك منظومة محددة لإدارة المخلفات، بشرط مراعاة القواعد المتعارف عليها دوليا في مجال إدارة المخلفات بوجه خاص، وفي مجال إدارة المرافق العامة بوجه عام، لذا فيمكن أن تنتهي أزمة القمامة في مصر عندما تغيب العشوائية ويكون هناك رؤية مركزية لإداراتها، بالإضافة إلى توافر بنية تحتية سليمة ومدافن صحية بما يكفي، مما يجعل المنظومة أكثر احكاما، حيث إن معظم المدافن الموجودة بمصر الآن هي مدافن غير مؤهلة، تفتفد للمواصفات الهندسية.
من واقع متابعتك.. هل ننفق هنا في مصر على نظافة المدن أقل من إنفاق الدول المتقدمة، أم أننا ننفق بالمعدل الطبيعي لأي دولة؟
ما دامت المنظومة ليست مكتملة فالإنفاق ليس متساويا بالتأكيد، نظرا لعدم وجود بعض الوظائف مثل البنية الأساسية والجمع وإعادة التدوير، وذلك نتيجة غياب الرؤية، وبشكل عام فإن وزارة البيئة تخطو خطوات سليمة في هذا الملف منذ نحو 5 سنوات، وهناك جهد مبذول فعليا، لكن لم يشعر به المواطن حتى الآن، لأنه جهد لا يزال في الحيز التنظيمي، وبالنسبة لجزء البنية الأساسية فهذا يحتاج إلى أموال كثيرة واستثمارات لإقامة عدد المرافق المناسب للمنظومة الجديدة.
دائما يذكر وزراء البيئة أن دورهم تنسيقي فقط، فلا يمكن مثلا أن تقوم الوزارة بتطهير الترع بدلا من وزارة الري، أو تتابع القمامة بدلا من الأحياء.. فهل يعتبر هذا تهربا من المسئولية؟
على الإطلاق.. ففي كل دول العالم دور وزارة البيئة يتمثل في وضع الخطة والإشراف على تنفيذها فقط، لكن المنفذين الفعليين يكونون هم الآخرون مثل بقية الوزارات أو الأحياء، لكن ربما كانت وزارة البيئة طوال الفترة الماضية مُهمشة، منذ تولي الدكتورة نادية مكرم عبيد منصب أول وزير للبيئة في مصر، حيث حدث صدام بينها وبين مراكز القوى حينها، ونتيجة تلك الاحتكاكات تم تهميش وزارة البيئة وظلت في تراجع مستمر، لذا فإن وزارة البيئة مظلومة لأنها دائما تصطدم بأصحاب المصالح من رجال الأعمال وأصحاب الشركات وأصحاب النفوذ مما يسبب مصاعب كثيرة في أدائها دورها، إلى جانب أن هناك كثيرا من الوزارات غير مقتنعة من الأساس بأهمية وزارة البيئة.
المحميات الطبيعية ثروة هائلة تمتلكها مصر.. برأيك هل أحسنت وزارة البيئة استغلالها على الوجه الأمثل أم هناك تقصير؟
لا شك أن ملف المحميات تعتريه بعض صور الفساد بعضها توقف وبعضها مستمر منذ التسعينيات مثل نهب ثروات المحميات كـ«الآثار والمعادن النفيسة والثروات البحرية والحفريات وغيرها»، ونهب جزء من أراضي بعض المحميات، بدأت بوادي دجلة ثم الغابة المتحجرة، لكن توقفت هذه الممارسات بسبب المقاومة الشرسة من بعض المخلصين داخل وخارج الوزارة، وقد نشأت مافيا دولية محلية لنهب ثروات المحميات الطبيعية ربما منذ التسعينيات، لكنها كانت تعمل في تكتم شديد وتحت حماية بالغة الدقة، حتى بدأت تتكشف أبعادها خلال الأشهر الأخيرة، وقد استعملني الله لأكون واحدا من الذين ساهموا في تسليط الأضواء على أبعاد تلك العصابة لأول مرة على أوسع نطاق حتى كادت تصبح قضية رأي عام داخل الوسط الإعلامي، وثاني صور ذلك الفساد تتمثل في إهدار حق الدولة في «حقوق الانتفاع بالمحميات وثرواتها الطبيعية» من زاوية عدم التحصيل، وكذلك من زاوية التقدير المجحف لقيمة حق الانتفاع في التعاقدات التي أبرمت خلال العقود الماضية مما أضاع على الدولة مئات الملايين، وأزعم بناءً على معلومات وردتني أنه كان لا يوجد تحصيل مقابل حق الانتفاع بالمحميات خلال عهد الحكومات السابقة (قبل يونيو 2018) والتي تبلغ وفقًا لبعض التقديرات نحو نصف مليار جنيه، فضلًا عن المعلومات التي تفيد بأن تقدير قيمة «حق الانتفاع» أقل بكثير من القيمة العادلة والتي يمكن أن تكون عدة أضعاف القيمة المذكورة التي يعتبرها البعض هزيلة جدا، وهناك أيضا ملف إهدار أموال المعونات الأجنبية الموجهة للبيئة خلال العقود الماضية خاصة في مجال المحميات وحماية الطبيعة التي حصلت على معونات بمئات الملايين من الدولارات وتمكنت مافيا المحميات من إهدارها دون عائد يذكر.
أكثر تفصيلًا.. كيف يتم نهب الثروات الطبيعية من داخل المحميات؟ ومن يحمي مافيا نهب الثروات الطبيعية في مصر؟
الثروات الطبيعية في الدول النامية بوجه عام تنهب بآليات متعددة أهمها «السرقة الصريحة» بواسطة مافيا دولية ومحلية، أو من خلال اتفاقيات تعاقدية جائرة تضيع حق الدولة صاحبة الثروات لصالح شركات دولية تستغل سوء الإدارة أو الجهل أو الفساد في تلك الدولة.
وبشكل عام تتعرض الدول النامية عامة ومن بينها مصر منذ قرون لعمليات نهب دولية منظمة في معظمها، تنفذها الدول الاستعمارية القديمة والجديدة تحت إشراف «الماسونية» العالمية التي تهيمن على العالم وتنهب ثرواته لصالح دائرة «ماسونية» ضيقة والدوائر الاقتصادية القريبة منها والتي تدور في فلكها، وتلك القوى الماسونية والاستعمارية لها أذرعها وفروعها في كل دول العالم، في صور متنوعة من بينها الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية وعصابات الجريمة المنظمة التي ربما يعمل معظمها لحساب تلك الكيانات الناهبة لثروات الدول النامية بعد خروج الاستعمار رسميًا من المستعمرات القديمة وتغييره أساليب نهب ثرواتها مع الاعتماد على عصابات إجرامية محلية هي القائمة بالتنفيذ، وبالنسبة لكنوز المحميات الطبيعية المصرية بالتحديد، فإن عمليات نهب كنوز وثروات المحميات تشمل «آثار وأحجار كريمة وذهب ومرجان وصدف وحفريات وخامات آخر»، وهناك معلومات وتكهنات يتم تداولها همسًا مفادها أن بعض ثروات المحميات يتم تهريبها من خلال وسائل متعددة من بينها التهريب في شحنات دبلوماسية أجنبية، مما يعزز فرضية أنها عصابات دولية لها أذرع محلية متمثلة في بعض المصريين ضعاف النفوس، ربما واحتل بعضهم مواقع هامة في المشهد البيئي المصري خلال الثلاث عقود الأخيرة وعلي مستويات وظيفية مختلفة، ويبدو أن المافيا تلك تتبنى أساليب القتل الناعم حرصًا على عدم انكشاف أمرها، وقد نجحت بالفعل في الاختفاء طوال ما يقرب من ثلاثة عقود منذ التسعينيات، وهناك معلومة لافتة للانتباه وينبغي تتبعها للتحقق من مدى ارتباطها بظاهرة نهب المحميات من عدمه، وهي أن إيطاليا أكثر الدول التي مولت مشروعات مشتركة في مجال المحميات في مصر، ومن المعروف أن إيطاليا هي بلد المنشأ لأحد أهم عصابات الجريمة المنظمة في التاريخ الإنساني، ومؤخرًا دخلت الصين في مجال التعاون مع مصر في مجال المحميات الطبيعية، وأري أن تبدأ مصر في الاعتماد على الذات بقدر الإمكان، لا سيما في ظل وجود علماء وكوادر في الجامعات ومراكز البحوث، حفاظًا على خصوصية المحميات الطبيعية، أو أن تضع ضوابط صارمة للتعاون في مجال المحميات، وإخضاع هذا التعاون إن وجد للملاحظة الأمنية الدقيقة لمنع أي تجريف لكنوز المحميات لحساب مافيات دولية قد تتستر أو تستغل أو تخترق مسارات التعاون الدولي المشترك في هذا المجال.
أي من المحميات الطبيعية يزداد الطمع فيها من قبل مافيا التهريب، وتعتبر محل تصارع من قبل أصحاب النفوذ؟
محمية الغابة المتحجرة يعتبرها المختصون تراثًا إنسانيًا وطبيعيًا فريدًا من نوعه، حيث يعود عمرها إلى ملايين السنين وفقًا لبعض التقديرات، وتقع المحمية على بعد نحو 18 كيلو مترًا شرق حي المعادي بمحافظة القاهرة، وبالتحديد في مدينة القاهرة الجديدة (التجمع الخامس) شمال طريق (القطامية/ العين السخنة) حيث تبلغ مساحتها نحو 7 كم2 وتعتبر هذه المنطقة أثرًا جيولوجيًا نادرًا لا يوجد له مثيل في العالم من حيث الاتساع والاستكمال ودراسة الخشب المتحجر فيها يساعد على دراسة وتسجيل الحياة القديمة للأرض، وتم إعلان منطقة الغابة المتحجرة محمية طبيعية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 944 لسنة 1989.
ومؤخرًا بدأت المطامع تزداد من جانب مراكز القوى الاقتصادية نظرًا لوقوعها في منطقة راقية، وبالقرب من مرافق ومعالم هامة منها جامعات شهيرة، ويتردد أن هناك مطامع من جانب البعض في اقتطاع أجزاء كبيرة من تلك المحمية لإضافتها إلى زمام الأراضي المخصصة لهم بالقرب من المحمية، مع الوضع في الاعتبار ارتفاع سعر الأراضي في تلك المنطقة الراقية، إلا أن هناك شكا في أن هناك أبعادا أخرى بخلاف الأراضي، حيث يتردد أن هناك تماثيل ذهبية في زمام المحمية، وفي حالة صحة هذه المعلومات فإن ملف الغابة المتحجرة يصبح أكثر إثارة، ومن المعروف أن الإجراءات تمت لاقتطاع مساحة من تلك المحمية مقابل 50 مليون جنيه، بينما تشير التقديرات إلى أن القيمة الحقيقية لها نحو 12 مليار جنيه تقريبًا، وقد حرك أحد المحامين المستقلين دعوى قضائية لوقف هذه الإجراءات، ومازالت الدعوى منظورة، وأرى أنها خطوة جيدة في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ملف استيراد الفحم الحجري أثار جدلًا واسعًا نظرا للأضرار البيئية والصحية الناتجة عنه والسماح باستيراده رغم أنه أصبح وقودا سيئ السمعة في العالم كله.. تعقيبك؟
يعد استخدام الفحم الحجري في مصر بمثابة ردة صناعية وبيئية مشينة ترقي إلى مرتبة الخيانة، كما يمكن اعتبار ذلك بمثابة سباحة ضد تيار التقدم الصناعي، لا سيما وأن العالم في طريقه إلى الخروج شبه الكامل من عصر الفحم الحجري الذي يعد استخدامه كوقود هو من رموز بدايات الثورة الصناعية، وأصبح في زماننا هذا من رموز التخلف الصناعي، إلا أن الدول التي لديها احتياطيات من الفحم تريد أن توقف استخدام الفحم لديها حفاظًا على البيئة والصحة العامة، بينما تنقب عن رجال أعمال انتهازيين في الدول النامية -مثل مصر- للاتفاق معهم على استغلال نفوذهم والمافيا السرية لتمرير عملية الترخيص بالسماح باستيراد الفحم الحجري لاستخدامه كوقود لتشغيل مصانع مثل مصانع الأسمنت ومحطات توليد الطاقة التي تعمل بالكهرباء، وإنه لمن المشين أن يقبل هؤلاء الانتهازيون من رجال الأعمال أن تتحول بلادهم إلى مقلب قمامة العالم، وتسعى حيتان استيراد الفحم الحجري إلى أن تظل قيادات وكوادر وزارة البيئة تحت سيطرتها، لضمان استمرار السماح بالاستيراد الذي تم تمريره على يد وزراء سابقين بصعوبة بالغة بسبب مقاومة المخلصين من كوادر وزارة البيئة الرافضين للسماح بدخول الفحم الحجري، وأدعو إلى البدء في وضع خطة للتجفيف الفوري لمنابع الفحم الحجري تقوم على عدة محاور أهمها وقف الترخيص بأي منشآت جديدة تعمل بالفحم الحجري – ومن بينها مصانع الأسمنت ومحطات توليد الكهرباء بالفحم الحجري – وكذلك البدء في إلزام المنشآت التي تعمل بالفعل بالفحم الحجري في وضع خطة لإعادة تعديل خطوطها الإنتاجية لتعود لاستخدام وقود نظيف، وكذلك المسارعة بتعديل الاتفاقيات الموقعة بين مصر والصين وأي دول أخرى فيما يتعلق بإنشاء محطات كهرباء تعمل بالفحم الحجري حيث يمكن أن يشمل التعديل أن تتبني تلك المشروعات تكنولوجيات الطاقة الجديدة والمتجددة أو في أسوأ الأحوال استخدام تكنولوجيا المحطات التقليدية مثل المحطات البخارية.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"