رئيس التحرير
عصام كامل

دبلوماسية خالتي فرنسا


عندما تذهب العائلة لخطبة فتاة لابنها، فإنها تختار علية القوم وأرفعهم مقاما ليقوموا بالمهمة، وللأسف ما نفعله بالفطرة في حياتنا اليومية لا نمارسه في أمور الوطن الكبرى، وكثيرا ما عهدنا بقضايانا الكبرى العادلة إلى محامين فاشلين، وبدا من عدة قضايا أن لدينا في هذا البلد ما يمكن أن نطلق عليه ائتلاف الدببة، ربما تكون نواياهم حسنة ولكنهم غير مؤهلين، وكثيرا ما يأخذهم الحماس أو النفاق فتكون النتيجة عكسية بمنطق "أرادوا تكحيلها فأصابوها بالعمى".


وهناك فيديو منتشر لنائبة مصرية في مواجهة باحثة فرنسية على قناة فرانس ٢٤، بدت السيدة النائبة رغم حسن نواياها وتحمسها إلا أنها كالدبة، لديها قضية عادلة ولكنها بأسلوبها المتدني خسرت قضيتها سريعا، لأنها غير مؤهلة، وبدت كما لو كانت تمارس الدبلوماسية بمنطق خالتي فرنسا، ووقعت فريسة سهلة لمعدي البرامج عند اختيار ضيوفهم.

بحيث يأتي صاحب الحق أشعث عصبيا ومتعجرفا، بينما على الطرف الآخر شخص مهندم مبتسم مذاكر موضوع الحلقة، وبالتالي يكسب تعاطف المشاهدين والرأي العام، والمصيبة أن بعض هؤلاء يروّجون لأنفسهم أنهم من المحسوبين على أجهزة الدولة الرسمية، رغم أن لدى مصر رئيسا مؤدبا غير أن بعض المدافعين عنه ينقصهم الأدب، وهم كالدببة أو أضل، لأنهم يتزلفون في أرخص صور النفاق ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهم أكثر من يسئ للوطن والدولة..

وهؤلاء مثل كدابين الزفة، والآكلين على كل الموائد، الذين يهللون بلا عمل وهم الأكثر صراخا وتفحشا ولكنهم أصبحوا أرقاما في المشهد العام، بمنطق أن الغجرية ست جيرانها، وهو ما دفع كل المهمومين بالشأن العام البحث عن أسباب صمت الدولة عن كوارث هؤلاء، وكلما طال تجاهل الدولة لكوارثهم منحهم حصانات رسمية، لكي يختلط الخاص مع العام في مشهد سياسي وإعلامي غريبين على مصر..

وتبدو الغرابة أكثر حين تجد الدولة تطالب الجميع بتجديد الخطاب الديني وتتجاهل تماما هذا الخطاب المتفحش، وتسكت عن كدابين الزفّة، رغم أنهم يسيئون إليها، ذلك لأن السلطة لا تثق إلا في مثل هؤلاء، وتعاني من الفريضة الغائبة في فشلها في توظيف أصحاب العقول والمبدعين في عمليات التسويق السياسي، لدرجة أن بعض الدول تستعين بهؤلاء الخبراء في تجميل القبح، بينما لدى مصر كثير من الجمال يتحول على أيدي كدابي الزفة إلى قبح..

ولدى هذا البلد ميزات نسبية لا تعد ولا تحصى ولا تعرف كيف تسوقها، فهي البلد الوحيد الذي لديه سلعة لا تنافس مثلا كالسياحة، ورغم ذلك نفتقد العقول المبدعة لتسويق هذا المنتج المتعدد في العالم، وبدلا من أن تصبح السياحة قاطرة التنمية أهملناه لدرجة أن من يتحكم فيها للأسف المنافسين كتركيا وإسرائيل، بل إنهما يسوقان نفسيهما على حساب السياحة المصرية..

ويمكن القياس على ما يحدث في السياحة في كل ميزات مصر من القطن طويل التيلة، الذي دمرناه لعدم وجود معدات قادرة على صنع الغزل المتميز منه، ورحنا تصدره لتصنع منه سويسرا أفخم نسيج يباع بمئات الدولارات، وعندما فشلنا استبدلنا قصير التيلة بقطن مصر المميز..

حتى أن العمالة المصرية كان يمكن بقليل من الجدية والتدريب تصديرها للدول العربية التي استغنت عنهم بالهنود والآسيويين، وقناة السويس التي لا نزال نتعامل معها بمنطق الكمساري، نطير من الفرح لتحصيل رسوم المرور فقط، وكان يمكن إقامة حياة كاملة بطول ١٣٠ كيلو مترا على الجانبين لإمداد السفن والحاويات بكل الإمدادات والتموين، ويمكن رصد عشرات الأفكار التي كان يمكن التسويق الجيد لها..

ولكن إسناد الأمر إلى غير أهله، وسيطرة منطق أهل الثقة والولاء على أهل الخبرة، كان السبب في كل ما تعاني منه مصر، ولم يفطن ولاة الأمر إلى النجاح الكبير الذي تحقق في قطاعات البترول والكهرباء والإسكان والاتصالات، لأن من يتولى هذه القطاعات مؤهلون علميا ولديهم خبرات كبيرة، فحققوا طفرات في قطاعاتهم على عكس بقية القطاعات التي تعاني نزيفا بفضل السادة أهل الولاء والذي منه.. بدليل ما يحدث في المحليات من فساد وتراخي وإهمال، بعد أن أصبحت المحليات بمثابة مكافأة نهاية الخدمة لبعض المحظوظين، وما جرى للمحليات وقع لكثير من مؤسسات الدولة بكل أسف.
الجريدة الرسمية