رئيس التحرير
عصام كامل

حرب الصلاة بالمدارس تشتعل في الجزائر بعد تصريحات وزيرة التربية

وزيرة التربية الوطنية
وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت

حالة من الجدل تعيشها الجزائر بعد تصريحات وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت حول الصلاة في المدارس، ودعمها لمديرة مدرسة الجزائر الدولية في باريس التي عاقبت تلميذة لأدائها الصلاة في ساحتها بالفصل لمدة أسبوع، وسادت عاصفة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، موقف الوزير جعلها في عين العاصفة من قبل الجمعيات الإسلامية وكذلك الأحزاب وسط صمت حكومي.


بداية الأزمة
وكان بداية الأزمة بقرار من قبل نادية مساسي مديرة المدرسة الجزائرية الدولية في باريس، قد عاقبت تلميذة لأدائها الصلاة في ساحتها بالفصل لمدة أسبوع، وهو ما أثار غضبا من قبل النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى إعلان وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت عن دعمها المطلق لقرار نادية مساسي، وهو ما اعتبرته الأخيرة بمثابة إشارة خضراء من طرف الحكومة من أجل المضي قدما في إجراءاتها الرادعة ضد كل ما له علاقة بالدين الإسلامي.

وعلى هامش زيارة إلى ولاية برج بوعريريج، قالت وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت: "التلاميذ يذهبون إلى المدارس من أجل التعليم وليس لشيء آخر، وهذه الممارسة (الصلاة) مكانها المنزل وليس المدرسة".

كما ألمحت في مداخلة لها بالبرلمان الجزائري حول المساس بالهوية، قالت إن الاستعمار الفرنسي بعد 132 سنة لم يستطع المساس بالهوية.

كما شددت على أن "المهم هو احترام روزنامة القطاع"، مضيفة أن المساجد فضاء للصلاة، وتنفيذ كل الضوابط اللازمة في إطار جميع الالتزامات".

وذكرت مصادر لصحيفة "البلاد" الجزائرية" أنه منذ انطلاق الدراسة في هذه المدرسة الدولية بباريس في 2001، والتلاميذ الذين يرغبون في أداء صلاة الظهر خلال فترة الاستراحة يؤدوها بشكل عادي. وتساءل المصدر عن "السبب وراء إثارة هذه القضية الآن وما الذي تغيّر بعد كل هذه السنوات الطويلة".

وأوضحت أن عدد تلاميذ المدرسة الدولية بباريس الذي يواظبون على الصلاة لا يتجاوز عددهم 5 تلاميذ، ولا يؤدون الصلوات الخمس في المدرسة، باستثناء صلاة الظهر والتي يكون غالبا وقتها خلال فترة الاستراحة قبل دخول التلاميذ لاستكمال دروس الفترة المسائية. كما أن أغلب هؤلاء التلاميذ لا يقطنون في وسط باريس، وإنما في ضواحي العاصمة الفرنسية ومقر سكناهم بعيد جدا عن مقر المدرسة.

ومنذ تعيينها في المنصب عام 2014، تثير وزيرة التعليم نورية بن جبريت (67 سنة) جدلا في البلاد، ولا يتوقف إسلاميون ومحافظون عن مهاجمتها بدعوى "تنفيذها لبرنامج لتغريب المدرسة والتمكين للفرنسية".

فيما يدافع عنها علمانيون ويعتبرونها صاحبة مشروع لتحديث المدرسة وإخراجها من الصراع الأيديولوجي، وترد الوزيرة في كل مرة بأن لديها مشروعا لإصلاح المنظومة التعليمية تحت رعاية رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.

غضب العلماء المسلمين
تصريحات وزيرة التربية الوطنية نورية بن جبريت أدت إلى حالة من الغضب والثورة داخل صفوف جمعية العلماء الجزائريين، حيث اعتبرت الجمعية من الصلاة يتنافى مع ينادي به التيار العلماني من حرية الرأي والتعبير.

وقالت جمعية العلماء المسلمين في منشور آخر إن القانون المنظم للمؤسسات التعليمية الصادر عام 1991، ينص في مادته 21 على تخصيص قاعة صلاة بالمؤسسات التعليمية من قبل إدارتها.

من خلال رئيسها عبد الرزاق قسوم، الذي نشر على الصفحة الرسمية للجمعية بالفايسبوك، أن تعاطي المسئولين مع قضايا الدين والهوية غير مقبول.

وقال قسوم، إنّه "لا يوجد ما يؤكد صدور تعليمات مكتوبة تمنع الصلاة داخل مؤسسات التعليم، ولكن الثابت أن هوية الجزائر وثوابتها، تعرف منذ عقود هجمة شرسة للنيل منها"، ودعا رئيس جمعية العلماء المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة إلى اعتبار "ثوابت الأمة" خطًا أحمرا لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال، الاقتراب منه، متمنيًا أن يكون "البرنامج الانتخابي للمرشحين فاصلًا وواضحًا في هذه المسألة".

الإخوان على خط الأزمة

وكعادتها حاولت جماعة الإخوان الاستفادة من معركة "الصلاة" بدعم تواجدها في الشارع المغربي، مع ترشح حركة مجتمع السلم "حمس" عبد الرزاق مقري للانتخابات الرئاسية المقررة عقدها في أبريل المقبل.

ونددت حركة مجتمع السلم "بأشد العبارات"، ما أسمته "التضييق الذي ينافي مبدأ حرية المعتقد والحريات الفردية والجماعية"، واعتبرت أن الوزيرة "تجرأت" على هذه الحرية "بحق التلاميذ المصلين".

النقابات في معركة الصلاة

كما اعتبرت نقابات التربية أن "هذا الجدل (الصلاة في المدارس) في هذا الظرف بالذات الغرض منه إقحام القطاع في نقاش إيديولوجي عقيم، يخفي من ورائه محاولات لجر المدرسة إلى حسابات سياسوية مع بداية العد التنازلي للرئاسيات" في تصريح لصحيفة الخبر، معتبرة أنه كان على الوزيرة "معالجة مشكلة المدرسة الدولية بباريس، في إطار بيداجوجي، دون الخوض في مسائل مثيرة للجدل".

وعاد بعض منتقدي الوزيرة إلى المادة 21 من ما يعرف بـ"نظام الجماعة التربوية"، التي تنص صراحة على إمكانية فتح أماكن للصلاة في المدارس. وتقول المادة "تخصص المؤسسة في حدود ‘الإمكان’ قاعة للصلاة خاصة في المؤسسات ذات النظام الداخلي، وتتكفل بنظافتها وبصيانتها، وتسهر على استعمالها للأغراض التي جعلت من أجلها وبكيفية لا تعرقل مزاولة التلاميذ لدروسهم".

نائب برلماني يرد

كما دخل على خط معركة "الصلاة" البرلماني سليمان سعداوي، النائب في البرلمان الجزائري، حيث رد على تصريحات "بن غبريت" بعد قرارها بمنع الصلاة في المدارس، وقال "اتركوا الناس يتقربون من الله".

وأضاف البرلماني الجزائري "إذا كنت تخافون من إنتاج فكر متشدد فهناك كل الآليات لمتابعة التلاميذ والطلبة وليس ذلك بمنع الصلاة"، وقال "حتى في الثكنات العسكرية يؤدون الصلاة والإسلام دين الدولة".

صمت حكومي

مع اشتعال معركة الصلاة، خيم على الحكومة الجزائرية صمت كبير، حيث رفض وزير الشئون الدينية الجزئري، محمد عيسى الرد على أسئلة الصحافيين بخصوص تصريحات بن جبريت حول الصلاة في المدارس.

وقال وزير الشئون الدينية الجزائري "أنا لا أعلق على الخبر الإعلامي، لم أطلع بصفتي كوزير أو إطار أو مثقف على قرار رسمي من طرف وزيرة التربية الوطنية سوى ما تداولته وسائل الإعلام، وأنا لا أعلق على وسائل الإعلام احتراما لوسائل الإعلام، وحفاظا على الموضوعية التي تقتضيها مثل هذه المشكلات المثيرة للجدل".

دعم التيار العلماني

وحظي قرار وزيرة التربية الوطنية، بدعم من مؤسسات علمانية، وجاء في منشور مقتضب "روتاري الجزائر" على "فيس بوك": "تحية شكر وتقدير لوزيرة التربية على قرارها منع الصلاة في المدارس الجزائرية".
الجريدة الرسمية