رئيس التحرير
عصام كامل

شهيد حرب 48.. حكاية الحب الأول في حياة الدلوعة شادية

فيتو

كانت حياة الدلوعة شادية، التي تحل اليوم 8 فبراير ذكرى ميلادها، درامية، لم تخل من الأحداث المفاجئة والصدمات، وهذا ما أكدته سطور وكلمات الكاتبة والناقدة الفنية إيريس نظمي في كتابها "مذكرات شادية"، الصادر عن دار أخبار اليوم، فشادية بالرغم من أنها كانت تملأ الدنيا فرحًا بطلتها وصوتها المملوء بالبهجة والمرح، إلا أنها كانت تخفى بداخلها أسرارًا كثيرة وكانت تعاني في صمت وتحمل بداخلها ذكريات صعبة، منها قصة حبها الأول التي ملأت حياتها فرحة، لكنها كانت فرحة مؤقتة، فسرعان ما حرمها منها القدر.




نظرة تخترق القلب
كانت في السابعة عشرة من عمرها، حينما دُعيت شادية للغناء في حفل زواج أحد من جيرانها المقربين، ولم يكن الرفض اختيارًا واردًا نظرًا لمساحة "العشم" التي تجمع بين الأسرتين، كانت شابة جميلة يافعة مملوءة بالحياة، ووقفت بثقة أمام الجميع لتستعد بأن تصدح بصوتها الكرواني الذي لا يخلو من "دلع" وخفة، وانطلقت في الغناء، وبينما يردد فمها الكلمات لتطرب الجموع، وقعت عيناها على شاب وصفته هي في مذكراتها، التي نشرتها إيريس نظمي على حلقات منذ سنوات طويلة قبل أن تُجمع في كتاب واحد، بـ "الأسمر الوسيم"، وكان هو ككل الحضور يبادلها النظرات، ولكن نظراته هو بالتحديد كانت قد اخترقت قلبها، وبعدما انتهت من غنائها وانتهى الحفل، اقترب منها ليهنئها، ويمدحها، معبرًا عن إعجابه الشديد بصوتها، ولم يستمر الحديث طويلًا، وافترقا، أما هي فلم يفارق الأسمر الوسيم خيالها، ولم تنم في ليلتها تلك، سهرت تفكر فيه وتساءل نفسها، "هل يبادلني الإعجاب؟ أم فقط هو معجب بصوتي؟".



أول خطاب
لم تفارق الحيرة قلب شادية، ولم تتركها التساؤلات لنفسها، ولم يهدأ بالها حتى جاءها اليقين في صورة خطاب، خطاب منه هو، يحمل إجابات على أسئلة كثيرة كانت تدور في خلدها، فقال في خطابه إنه طالب بالسنة الأخيرة بالكلية الحربية، وهو من الصعيد، يعيش هناك مع أسرته، مؤكدًا أنه يبادلها المشاعر ذاتها، ولم تتوقف منذ هذا الحين سيل الخطابات المفعمة بالكلمات الرقيقة والمشاعر، وبعد مراسلات متعددة جاء إلى القاهرة، فسلمته الدلوعة شادية كل الخطابات، ظن في البداية أنها رافضة حبه، ولكنها أكدت له أن هذا مجرد إجراء وقائي خشية أن يفتضح أمرها أمام أحد من أهلها وأن يكشف أحدهم أمر هذه الخطابات، وتقبل هو الأمر.



خطاب الزواج
وبالرغم من تحذيرها من خوفها كشف أمر مشاعرها وحبها عبر الخطابات، إلا أنها تفاجئت بخطاب جديد منه، ولكنه لوالدها وليس لها، تعجبت شادية من هذا الأمر، ولكنها تفاجئت بأن الصعيدي الأسمر يطلب يدها من والدها، ولم تكن هي في حاجة إلى الإقناع، فقد كان هو كما وصفت شادية في مذكراتها "أول حب حقيقي في حياتها"، ومع مرور الأيام لم تهدأ حرارة الحب، وتكللت المشاعر بعد تخرجه بدبلة من الكلية الحربية بالخطوبة، ومع الارتباط الرسمي عبر عن رغبته بألا تستمر الكروان شادية في الغناء وأن تتوقف عن الظهور على الشاشة لكي تكون شريكته له وحده، ولم تستطع هي أن تعترض على رغبة حبيبها الصعيدي، فقد هزتها كلماته وسحرتها، كما أنها هي قد كانت على استعداد أن تفعل أي شىء من أجله، فقط لكي تكون إلى جواره حتى وإن خسرت كل آمالها، وأحلامها التي حلمت يومًا بتحقيقها في عالم الفن.



اللقاء الأخير
وبالرغم من هذه السعادة الكبرى التي عاشت فيها شادية تحت مظلة الحب الوردية مع حبيبها الأول، إلا أن القدر كان يُخبئ لها مفاجأة وصدمة كبرى لم تكن في الحسبان يومًا، فقد استدعى الحبيب فجأة للدفاع عن الوطن والاشتراك في حرب فلسطين عام 1948، جاء ليودعها قبل السفر، وكان قلبها يحدثها بأن أمرا جللا سيحدث، وأن هذا اللقاء سيكون الأخير، وأنها ستُحرم من رؤية حبيبها إلى الأبد بعد سفره المُفاجئ هذا، ولم تهدأ دموعها، ولم يتوقف بكاؤها من بعد هذا اللقاء.



الخسارة والصدمة
وكأن قلبها قد رُفع عنه الحجاب، ذهب حبيبها فعلًا ولم يعد، فقد استشهد في ميدان القتال، وسقط شهيدًا ودبلته التي تحمل اسمها لم تفارق إصبعه، وبغيابه ورحيله رحلت كل أحلام شادية، عاشت لفترة ميتة بلا روح، فقدت الشعور بالناس ولا تتذكر سوى ذكرياتها مع الحبيب الراحل منذ اللقاء الأول وحتى الأخير، كانت لا تنام هربًا من الأحلام المفزعة التي تدور معظمها حول مقتله، فكانت تستيقظ صارخة من الفزع، ولولا عطف أسرتها وحنانهم عليها في هذه الفترة لكانت حياتها انتهت كما أكدت هي في كلمات المذكرات التي نقلتها عنها إيريس نظمي، وكرهت شادية بسبب ما حدث قصر عابدين وكل الذين أرسلوا حبيبها إلى هذه الحرب ليحارب بأسلحة فاسدة، وظل انقباض شديد يلازمها كلما مرت أمام هذا القصر حتى بعد مرور وقت على وفاة حبيبها، وظلت تشعر بأثر الجرح القديم كلما مرت من هناك، ذلك الجرح الذي خطف منها رجل لو ظل على قيد الحياة لكانت حياة شادية تغيرت تمامًا ولأصبحت كما تقول هي "زوجة سعيدة وأما لأربعة أو خمسة أطفال"، ولكنه لازمها بصوته، فكانت كلما شعرت بضيق كانت تستمع إلى صوته المُسجل على شريط تسجيل كانت قد سجلت هي عليه حديث دار بينهما، لتعيش، كما تقول هي، على ذكرى أيام السعادة القليلة التي عاشتها في حياتها.

الجريدة الرسمية