«الطيب» باقٍ.. وخصومُه زائلون
يا أيُّها النملُ.. ادخلوا مساكنكم. يا أيُّها الغربانُ الناعقة.. أوقفوا نعيقكم، ويا رؤوسَ المنافقين.. استروا عوراتِكم، ويا حمَّالاتِ الحَطبِ.. أحرقنَ الحطبَ، فقد حصْحَصَ الحقُّ، وقُضِى الأمرُ، وأبطلَ اللهُ كيدَ الكائدين، وأجهضَ مكرَ الماكرين، وبقي شيخُ الأزهر الشريف الدكتور "أحمد الطيب"، وسوف يبقى شامخًا في منصبه المُحصَّن، إلى ما يشاء اللهُ، وليس إلى ما تشاؤون أنتم، وما تشاؤون إلا أن يشاءَ اللهُ ربُّ العالمينَ.
إنْ هو إلا مكرٌ مكرتموه بالمدينة، ليُخرجَ الأذلُّ منها الأعزَّ. والأعزُّ-هنا- هو الأزهرُ الشريف وشيخه موفور العلم والأدب في كلِّ مكانٍ حلَّ فيه أو راحَ. أما الأذلُّ فهو كلِّ رويبضة من رويبضات هذا الزمان الغابر.
ها هي السنواتُ الخدَّاعاتُ التي حذرنا منها النبىُّ الكريمُ قد حلَّتْ، حيثُ يُصَدَّقُ الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ توافه الرجال فِي أَمور الْعَامَّة، وهؤلاء التوافهُ كانوا يتبادلون التهانى على مخططهم الآثم البائس، قبل أن يتم إجهاضُه وكبح جماحه، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللهُ، ويَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.
جفَّتْ الأقلامُ وطويتْ الصحف، فهيَّا اسكبوا أحبارَ الأغلال والأحقاد وتخلصوا منها، فلا جدوى منها ومنكم، فأنتم كغثاء السيل.. "العبوا غيرها"، ابحثوا عن ضحيةٍ تليقُ بكم، وفريسة تناسبُ عبثكم وسذاجتكم وضآلة عقولكم وتصحُّر ضمائركم.
فيما كانَ القومُ يُخططون ويأتمرون لعزل "الطيب" بدعاوى لا ينقصُها الزيفُ ولا يغيبُ عنها التدليسُ، مُستغلينَ تجاهله جهالة الجهلاء وقوله لهم: سلامًا سلامًا، أو ترفُّعه بالصمت عن سخافاتهم وضلالاتهم، إذا بالقدر يتحدى مخططاتِهم البائسةَ، ويتدخلُ في اللحظة الحاسمة، ويكشفُ عوارهم، ويشهدُ العالمُ أجمعُ لقاءً تاريخيًا يجمع شيخ الأزهر الشريف وبابا الفاتيكان وتوقيعًا لوثيقة "الأخوة الإنسانية"، وتخليد اسم الإمام الأكبر بإطلاقه على مسجد كبير سوف يجرى إنشاؤه، ومثلُ "الطيب" يُخلَّدُ بعلمه وخلقه وسيرته ومسيرته، فالصغار هم فقط مَن يجهلون قدرَ الكبار، فما كان منهم أمام هذا الاحتفاء التاريخى، إلا أن ينقلبوا على أعقابهم خاسئين، ويمزقوا أوراقهم الملوثة بحبر المكيدة والخبث.
هذا الذي تصمونه بالإرهاب تارة، وبالرجعيةِ تارة أخرى، وتُحرضون عليه غلمانكم وصغاركم وأراذلكم ومليشياتكم الإعلامية والإلكترونية، يتناوبون عليه تهجُّمًا وازدراءً واستخفافًا وتهوينًا من شأنه، ها هو يجدُ تعظيمًا واحترامًا عند من يعرفون للناس أقدارَهم الرفيعة ويحفظون للكبار مقاماتهم السامقة، ففى أوطان العرب فقط، لا كرامة لنبىٍّ بين قومه، وزامرُ الحىِّ لا يُطربُ.
ما كانَ لمثلى أن يخوض وحيدًا هذه المعركة غيرَ هيَّابٍ أو متردد، لو كان من يهاجمون الإمامَ الأكبرَ ويتآمرون عليه، أندادًا له في علمه أو مكانته أو أخلاقه، ولكنهم جميعًا ودون استثناء مُرتزقة مأجورون، ينطبقُ عليهم وصفُ "جرير" لـ "الفرزدق": "فإنك لو تعطي الفرزدقَ درهمًا على دينِ نصرانيةٍ لتنصَّرا"، حيث لا هدف ولا مبدأ ولا غاية لهم إلا غاية من يلقنونهم ويُملون عليهم ما يقولون ويكتبون.
أمَا وقد وضعتْ الحربُ أوزارَها، وتراجعَ المتآمرون عن مؤامرتهم كرهًا وليس طوعًا، وراحوا عبرَ منابرهم يُوزعون الأكاذيبَ والاتهاماتِ الزائفة وينفون أنهم خططوا لعزل "الطيب" أو إجباره على ترك منصبه، فقد انتهى الأمرُ بالنسبة لى، ولن أعودَ إليه مُجددًا إلا إذا احتدمتْ المعركة من جديد واشتدَّ أوارُها، وحينئذٍ.. سوف يكونُ لكلِّ حادثٍ حديثٌ.
أما من تراجعوا وكذبوا وحاولوا خداع الرأى العام، فهم مساكينُ، لا يملكون من أمرهم شيئًا، يجعلون ظهورهم مطايا لغيرهم.
كان ينبغى عليكم، إن كنتم تحملون بقية من ضمير أو نخوة، أن تعتذروا في أدبٍ عن مسعاكم الماكر، ولكن لَا تَعتذِرُوا الْيَوْم، إِنمَا تُجزَونَ مَا كنتم تَعْمَلُونَ.
التاريخُ النزيهُ الصادقُ يحتفظُ في سجلاته النظيفة بأسماء شيوخ للأزهر الشريف، لم يخضعوا أو ينبطحوا أو ينحنوا، بل واجهوا الطوفان في ثبات نادر ويقين راسخ، فغارَ الطوفانُ وانحسرَ وذهبَ واندثرَ، وبقيتْ أسماؤهم بأحرفٍ من نور، تتحاكى بها الأجيال، ويتباهى بمواقفها ذوو العزة والكرامة والذين لا يرتضون الدنيئة. وأظنُّ أن الدكتور "أحمد الطيب" سوف يزين باسمه تلك القائمة الذهبية، باعتباره "ما ينفعُ الناسَ"، وباعتبار خصومه وكارهيه من أراذل القوم "زبدًا يذهبُ جُفاءً"، واللهُ غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمونَ.