على حمدي الجمال: الصحة تاج على رءوس الأصحاء

في مجلة الجيل عام 1956 كتب الصحفي على حمدي الجمال مقالا قال فيه:
قديما قالوا: الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.. ولقد رأيت هذا التاج وأنا مريض.

فقد استيقظت ذات يوم وأنا أكاد أختنق من شدة الزكام والسعال ومن آلام فظيعة في النصف الأيسر من وجهى حتى إننى لم أستطع مغادرة الفراش فبقيت فيه على مضض رغما عن رغبتى.

ومضت ساعة وساعتان وبدأت أتململ في فراشى وأحاول أن أزيح عنى الغطاء لكى أنهض وأرتدى ملابسى وأذهب إلى عملى بدار أخبار اليوم.. لكنى لم أستطع وعجزت تماما عن الحركة.

وأخذت أفكر في أننى منذ بدأت موجة البرد ونحن الآن في شهر طوبة وأنا أتمنى أن أستمتع بدفء السرير ولا أخرج من منزلى ولو يوما واحدا.. فلماذا إذا الضيق والملل؟ ألم أكن أتمنى ذلك أمس وأول أمس منذ بداية الشتاء.

قلت لنفسى: لقد كنت أرجو أن أستريح في الفراش بإرادتى لا أن يلزمنى المرض بذلك.. إنني أفضل أن أعمل وإن أشقى متمتعا بحريتى ولو في سيبيريا على أن استريح وأهدأ في فراشى وانا مكبل بأى قيد ولو كان قيدا من حرير.

فعلا رأيت تاج الصحة وأنا مريض فلما غادرت فراش المرض بعد ثلاثة أيام واستأنفت حياتى العادية لم أجد هذا التاج فوق رأسى.

إن الإنسان بطبيعته لا يقدر قيمة الشيء إلا إذا فقد أو حرم منه، فإذا مرض.. أحس بنعمة الصحة، وإذا أفلس أدرك قيمة المليم، وإذا شعر بالوحدة بحث عن الأصدقاء.. وهذه طبيعة الإنسان في أي مكان وزمان.. لا يفكر ولا يبحث ولا يهتم إلا بما فقد منه أو حرم منه وكان يتمناه.