انقسام حول حكومة الوحدة الوطنية في لبنان
ظهرت الحكومة اللبنانية إلى النور بعد مرور ثمانية أشهر على تكليف "سعد الحريري" بتشكيلها. لا يشكك أحد في وطنية الحكومة ولكن التشكيك في "وحدتها" بدأ مبكرًا، فمن يعرف السياسة اللبنانية جيدًا يعرف أن توزيع الحقائب الوزارية من شأنه أن يثير سخط كتلة 14 أذار، والذي تتكون تيار المستقبل، حزب القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب الكتائب.
الانقسام ظهر مبكرًا عندما غرد "وليد جنبلاط"، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي – الدرزي- غير راض عن تشكيل الحكومة قائلًا: "لا ياصاحب الجلالة الدولة ليست ملكا لكم أو لزميلكم". وأكمل "جنبلاط"، الذي حصل حزبه على وزيرين في الحكومة، تغريدته على تويتر قائلًا: "والدولة ليست دفتر شروط لتلزيمها بالمطلق للقطاع الخاص وفق فلسفة وزير".
"فيصل كرامي"، أحد النواب الستة المستقلين الفائزين والذي تم تسميتهم "باللقاء التشاوري" نسبة إلى تشاورهم لاختيار ممثل عنهم في الحكومة- عبر عن عدم رضاه من اعتبار رئيس التيار الوطني الحر – جبران باسيل – الذي قال أن ممثل النواب المستقلين الستة في مجلس الوزراء – وهو وزير الدولة للشئون الخارجية – "يساعدنا على تعزيز التعاون مع حزب الله واللقاء التشاوري.
تصريح "جبران بسيل" آثار حفيظة نواب اللقاء التشاوري فرد الوزير حسن مراد قائلا إنه لا يوجد اتفاق "مبطن" مع التيار الوطني الحر.
هناك غضب أو عدم رضا غير معلن من حزب القوات اللبنانية الذي حصد 15 مقعدا ومع ذلك حصل على 4 وزرات لا توجد منهم وزارة سيادية. كما أن رئيس حزب القوات اللبنانية – سمير جعجع – يعرف أن حصول حزبه على مقعد نائب رئيس الحكومة في الوزارة لا يعني شيئًا لأنه لا يمكن لحزب القوات اللبنانية أن يترأس الحكومة بشكل مطلق لأن ذلك منافٍ لاتفاق الطائف الذي تم التأكد فيه على أن رئيس الوزراء يجب أن يكون من الطائفة السنية.
الحكومة بشكلها الحالي غير متجانسة من حيث توزيع الوزراء على الأحزاب السياسية، فهي لا تميل فقط في مصلحة 8 أذار - حزب الله (4 وزراء)، حركة أمل (4 وزراء)، والتيار الوطني الحر (10 وزراء)، تيار المردة (وزيران)- بل هي حكومة مصبوغة بشكل واضح بقوى 8 أذار وهو ما يعني مزيد من التعطيل الحكومي وتأجيل القرارات المرتبطة بمجلس الوزراء في حالة اختلف الوزراء على القرارات.
فعدد وزراء تكتل 8 أذار في الحكومة الحالية 17 وزيرًا، في مقابل 12 وزيرًا لتكتل 14 أذار - تيار المستقبل (6 وزراء)، حزب القوات اللبنانية، (4 وزراء)، والحزب التقدمي الاشتراكي (وزيران)- يضاف إلى وزراء تكتل 8 أذار الوزير حسن مراد (وزير دولة للشئون الخارجية)، وهو يتم تصنيفه ضمن تكتل 8 أذار، حتى وإن قال غير ذلك..
فلولا إصرار حزب الله والتيار الوطني الحر على تمثيل النواب الستة السنة المستقلين في الحكومة بوزير، لتم تشكيل الحكومة بدون الوزير حسن مراد. منح كرسي في الوزراء لأحد النواب الستة المستقلين من السنة أو من ينوب عنهم، وهم لا يمثلون سعد الحريري، تسبب في تعطيل الحكومة شهرين أو أكثر ولولا حزب الله والتيار الوطني الحر لذهب هذا كرسي لوزير من 14 أذار.
سيحاول "سعد الحريري" لملمة الانقسام السياسي عبر بيان وزاري وطني، يؤكد على مبدأ الجيش والمقاومة الإسلامية. لكن سيظل الانقسام موجودا وسيظهر من حين لآخر وفقًا لمساحة الاختلاف حول القرارات.
كلمة "سعد الحريري" في أعقاب تشكيل الحكومة تبدو عادية لكن تفسيرها إلى قرارات يعني أن الخلاف بين الوزراء قادم لا محالة. فـ"سعد الحريري" قال إن التحديات التي تواجه الحكومة هي اقتصادية ومالية وإدارية، وأنه ما ليتم إحداث إصلاحات جدية لن تستطيع الحكومة الحصول على تمويل خارجي.
قضية الإصلاحات في حد ذاتها ستخلق مشكلات بين الوزراء لأن الإصلاح الاقتصادي يتطلب ترشيد الإنفاق وفرض مزيد من الضرائب ورفع الرسوم المقررة على الخدمات، وهو ما سيثير غضب اللبنانيين.
ورغم وجود تحديات اقتصادية، يصفها البعض بالضخمة، فإن اللبنانيين غير متفائلين بالحكومة، وهذا ليس تعميمًا مخلًا، فكل ماعليك أن تفعله أن تسأل أي لبناني أو لبنانية عن رأيه في الحكومة، وستكون الإجابة أن وجود الحكومة أو غيابها لا يعني لهم شيئاُ لأن مصاعب الحياة تبقى كما هي، فقضية الكهرباء تبدو أبدية، تردي الحالة الاقتصادية وقضية النازحين السوريين من بين القضايا الأساسية للحكومة في تصريحات الكثير من النواب الحاليين والسابقين.
دائما ما يشتكي اللبنانيون من أن الحكومة تزيد من أعبائهم ولا تخففها. لسان حال المواطن اللبناني يعكسه دائما قولا يتم تكراره في برنامج كوميدي سياسي، بعنوان "قاربت تنحل"، أو "إربت تنحل" – حيث يظهر فيه "سعيد وهو ينتقد الأوضاع اللبنانية ثم يعقبها بعبارته الشهيرة: "في لبنان..ما في شيء بيبسط يا خيّ".