فنزويلا تقاوم العدو الأمريكي!
بعد الفشل الكبير للمشروع الأمريكى -الصهيونى في منطقة الشرق الأوسط وهزيمته في سورية عبر حرب كونية استمرت ثماني سنوات، يحاول العدو الأمريكى تعويض هذا الفشل بعدوان وحرب جديدة ستكون هذه المرة على واحدة من أهم دول الجوار الرافعة لراية العصيان والمقاومة في وجه السياسات الإمبريالية الأمريكية، خاصة وأن هذا البلد الأمريكي الجنوبي المجاور يمتلك ما يقرب من ربع الاحتياطي النفطي العالمي.
وهو ما يعنى أنه يسبح على بحيرة من النفط، ويمتلك مشروعا تنمويا مستقلا منذ قيام الثورة البوليفارية بقيادة "هوجو شافيز" الذي صعد للسلطة في عام 1998 وأعلن أنه على خطى الزعيم جمال عبد الناصر، وأنه يعادى الولايات المتحدة الأمريكية ولا يعترف بالعدو الصهيونى، ويدعم الشعب العربي الفلسطيني، ويتجه ببلاده نحو الاشتراكية لتحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية لأبناء شعبه.
وفنزويلا المقاومة الآن لمن لا يعرفها هي أحد دول الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية وتقترب مساحتها من مساحة مصر البالغة مليون كيلو متر مربع، ولا يتجاوز تعداد سكانها 30 مليون نسمة، وتعتبر فنزويلا من أكثر دول أمريكا الجنوبية تحضرا فالأغلبية الساحقة من السكان يعيشون في مدن الشمال خاصة العاصمة كراكاس وهى واحدة من أهم المدن في العالم منذ اكتشاف النفط في مطلع القرن العشرين.
حيث أصبحت واحدة من أكبر المدن المصدرة للنفط في العالم وتمتلك أكبر احتياطيات نفطية، ويشهد الاقتصاد الفنزويلي في العشرين عام الأخيرة نموا كبيرا نتيجة انتعاش أسعار النفط منذ العام 2001، وعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية في عام 2008 إلا أن فنزويلا ومنذ العام 2010 تحافظ على نمو اقتصادها مع خفض معدل الجريمة التي كانت تسجل فيها من أعلى المعدلات في العالم.
وتعد فنزويلا أحد اكتشافات الرحالة الإسباني "كريستوفر كولومبوس" مكتشف الأمريكتين، وقد وصل إليها في رحلته الثالثة إلى العالم الجديد في عام 1498، وقام الإسبان باستعمار فنزويلا في بداية القرن السادس عشر ولمدة ثلاثة قرون، حيث قامت عدة ثورات ضد الاحتلال الإسباني بزعامة "سيمون دي بوليفار" ونجحت في الاستقلال عام 1811 ثم أعلنت قيام كولومبيا الكبري الاتحادية المكونة من كولومبيا والإكوادور وفنزويلا عام 1821..
ثم أعلنت انفصالها كدولة مستقلة في عام 1830، واعترافا بفضل "سيمون دي بوليفار" قائد الثورة ومخلصها من الاحتلال قامت بلاده بتكريمه بوضع اسمه متضمنا في اسمها الرسمى لتكون "جمهورية فنزويلا البوليفارية" وأطلقت اسمه على عملتها الرسمية، وعلى أهم الشوارع والميادين والجامعات والمدارس والصروح الثقافية والعلمية بكافة مدنها، كما نصبت تماثيله التذكارية في كل مكان.
ومنذ الاستقلال وعلى مدار القرن التاسع عشر بكامله عانت فنزويلا من الاضطراب السياسي والدكتاتورية، حيث سيطر عليها مجموعة من الزعماء العسكريين الأقوياء، وكان الاستيلاء على السلطة يتم غالبا بانقلابات عسكرية مثل معظم بلدان أمريكا الجنوبية، ولم يصل إلى الحكم حكومات ديمقراطية إلا في عام 1958، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية نتيجة الفساد السياسي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين..
شهدت فنزويلا أزمة سياسية كبرى أدت إلى اندلاع أعمال الشغب في البلاد وقتل مئات الأشخاص في الشوارع عام 1989، ومع تصاعد الأزمة حدثت محاولتين للانقلاب عام 1992، ثم عزل الرئيس "كارلوس أندريس بيريز" بتهمة اختلاس الأموال العامة في عام 1993، وأدى انهيار الثقة في الأحزاب القائمة إلى انتخاب المسئول الحكومى السابق "هوجو شافيز" رئيسا لفنزويلا في عام 1998، حيث قام بدوره بإطلاق الثورة البوليفارية التي بدأت بتكوين جمعية تأسيسية في عام 1999 لكتابة دستور جديد لفنزويلا.
ومنذ صعود "شافيز" لسدة الحكم في فنزويلا وهو يسبح عكس التيار الأمريكى السائد والمهيمن عالميا، حيث وجه ضربات قاضية للرأسمالية الاحتكارية عبر مجموعة من عمليات التأميم للصناعات الإستراتيجية، إلى جانب السيطرة على الأسواق المركزية، وأعطى أوامره للجيش بالسيطرة على عملية إنتاج الأرز بمعالجته وتعبئته وتغليفه باعتباره من السلع الأساسية..
وفى هذا الصدد تضررت مجموعة كبيرة من الشركات الرأسمالية العالمية الكبرى التي كانت مسيطرة على مفاصل الاقتصاد الفنزويلى، مثل شركات "اكسون موبيل" و"شيفرون" و"إيه أي إس" و"كونوكو فيليبس" الأمريكية، و"توتال" و"لافارج" و"كازينو" لتجارة التجزئة الفرنسية، و"بي بي" البريطانية، و"أويل هايدرو" النرويجية..
لذلك لم يتركه العدو الأمريكي بل قام بتدبير الانقلابات ضده ففى أبريل 2002 تمت الاطاحة به لمدة يومين عبر انقلاب فاشل، وتظاهرات شعبية معارضة حركتها القوى الرأسمالية المتضررة من سياساته الاشتراكية، لكن القوى الشعبية الحقيقية المؤيدة له مع الجيش أعادوه مرة أخرى للسلطة، وفى نهاية نفس العام 2002 وبداية 2003 حدث إضراب وطنى شامل أدى إلى تراجع الناتج المحلى الإجمالي بنسبة 27% لكن "شافيز" استطاع أن يتجاوز الأزمة، وخرج بفنزويلا من النفق المظلم..
وتم إعادة انتخابه لولاية ثانية في عام 2006، ثم ولاية ثالثة في عام 2012، لكن مرض السرطان اللعين لم يمهله الفرصة فتوفى في 5 مارس 2013.
وفى 14 أبريل 2013 تم انتخاب "نيكولاس مادورو" خلفا ل"شافيز" وأعلن الرجل منذ اللحظة الأولى أنه على خطى "شافيز" وسوف يستكمل مسيرته، وفى مايو الماضى تم إعادة انتخابه لولاية ثانية رغم سيطرة المعارضة على البرلمان، ووجد العدو الأمريكى ضالته في رئيس البرلمان "خوان جوايدو" فأمرته بإعلان نفسه رئيسا للجمهورية في محاولة لزعزعة الاستقرار الداخلى في فنزويلا لنشوء نزاع داخلى يسمح لها بالتدخل العسكري لإنهاء النزاع، لكن الشعب والجيش والقضاء ومؤسسات الدولة تمسكوا بـ"مادورو"..
مما دعا العدو الأمريكى للجوء كعادته إلى مجلس الأمن لكن الفيتو الروسي – الصينى كان جاهزا مثلما كان جاهزا دائما في الحرب الكونية على سورية، ويحاول العدو الأمريكى استنساخ نفس السيناريو السورى في فنزويلا، لكن معركته في فنزويلا ستكون أصعب لأن المقاومة الفنزويلية جاهزة لإشعال النيران بالداخل الأمريكى، لذلك يجب على كل الأحرار في العالم دعم فنزويلا المقاومة في معركتها الراهنة مع العدو الأمريكى، اللهم بلعت اللهم فاشهد.