الموصل.. رحل داعش وبقيت النساء يبحثن عن «الرقية»
خلال احتلال تنظيم "داعش" لمدينة الموصل العراقية، دأب التنظيم على عقد جلسات "رقية" للنساء لطرد الأرواح الشريرة التي تسكن أجسادهن. الطقوس تشمل الصراخ وضرب النساء. وبعد أن رحل التنظيم استمرت طقوس الخرافة.
"DW" كانت هناك. بالرغم من انتهاء فترة حكم تنظيم "داعش" في الموصل ما يزال العديد من النساء يبحث عن جلسات طرد الأرواح الشريرة (المعروفة بعمليات الرقي) بناء على شهادة المؤذن عثمان الذي يعمل بمسجد هيبة خاتون وهو أحد مساجد المدينة المكتظة وسط الموصل.
يقول عثمان، إنّ كثيرًا من أئمة المساجد أنكروا ممارسة هذه الطقوس باي مكان خلال فترة حكم "داعش" للموصل، ويضيف "الكثير ليس لديهم أي فكرة عما حصل هنا، ربما القليل فقط ممن كان يتردد على زيارة المسجد للصلاة".
عثمان الذي رفض الإفصاح عن اسم عائلته تخوفا من "داعش"، أكد انضمام العديد من السيدات المحليات والأجانب لهذه الجلسات داخل المسجد بشكل منتظم يوميا بين منتصف اليوم وحتى الساعة الثالثة مساء.
الهولندية لورا هـ (اسم مستعار)، روت للصحفي الهولندي توماس رويب ما رأته خلال إقامتها وطفليها مع زوجها المنتمي لتنظيم "داعش" واثنين من أطفاله بالقرب من المسجد، الشهادة التي وثقت، ضمها لاحقًا كتاب صدر خلال العام السابق.
لورا ترددت على الجلسات بعد إهانة زوجها لها ملقيًا اللوم على الجن الذي حجب إيمانها ودفعها للقيام بالأخطاء. "شاهدتُ سيدات يخلعن قفازاتهن (السوداء الإجبارية) ويجلسن في غرف صغيرة وهنّ يقلبن أكفهن، ورأيت كيف تغمض تلكم السيدات أعينهن ليأتي قائد الجلسة وهو يتلو آيات من القرآن بصوت غريب ونبرة تعلو تصاعديا، وينهال عليهن بالضرب".
واقعة أخرى ترويها لورا عن سيدة فقدت وعيها وقامت بخلع حجابها، وامرأة أخرى سقطت على الأرض وبدأت بالتقيؤ وكأنها فقدت السيطرة على عضلات جسدها، وشهدت كيف قامت تلك السيدات بالصراخ والضحك والبكاء ومن ثم جرى جمعهن لثيابهن ومغادرة المكان بعد انتهاء الجلسة التي دامت لعشرين دقيقة.
يقول عثمان أن الرجل الذي يدعى "أبو يونس" يعمل خياطا في الموصل، ويبلغ من العمر 55 عاما، كما أنه لا يحمل أي شهادات تؤهله للممارسة أو تعليم الدين. وبالرغم من عدم ارتباطه بتنظيم "داعش" الا أنهم سمحوا له بالقيام بهذا العمل لشهرته الواسعة في المدينة.
اعتادت العديد من سيدات السنة، في مدينة الموصل ومدن عراقية أخرى، زيارة الائمة ورجال الدين عند اصابتهن بأمراض يصعب تشخيصها، أو لرغبتهن في الإنجاب بعد سنوات طويلة من الزواج. البعض الآخر منهن كان يلجأ لزيارة قبور الأولياء. أما ممارسة مثل هذه الطقوس لطرد الشياطين فانحصرت بالصوفيين بناء على شهادات الكثير.
يذكر أن الصوفية كانت ضمن الجماعات الدينية التي منعت من ممارسة عبادتها من قبل "داعش"، علاوة على كل التيارات الإسلامية التي لا تتفق مع تعاليم السلفية بحجة أنها عبادة للأوثان.
ويُعد "طرد الجن والارواح الشريرة" أمرًا مقبولا في المنهاج السلفي كونه مذكور بالقرآن كما علق جمال حسين الخبير والكاتب عن الجماعات السلفية من كردستان العراق. حيث يعد الجن النوع الثالث من الأرواح بعد الإنسان والملائكة. ويقول بهذا السياق" هم كائنات خلقت من نار لا يراها البشر. من الممكن أن يكونوا أشرار أو جيدين، وهم يشتركون في بعض الصفات مع البشر كالزواج والإنجاب.
حسين يكمل تعليقه بأن الجماعات السلفية تستمد قوة إيمانها بهذا الأمر من وجود سورة كاملة بالقرآن عن الجن. كما صدرت تكرارًا تصريحات من تنظيم" داعش" عن وجود ملائكة وجن تقاتل معهم ضد غير المؤمنين بعقيدتهم.
يؤكد حسين أيضا أنه بناء على مذهب السلفية فإن "السيدات هن الأكثر تعرضًا للجن نظرا لضعفهن وقلة ذكائهن ولهذا السبب ربما لا يوجد أي ذكر لجلسات طرد الشياطين للرجال خلال فترة حكم تنظيم داعش".
يتابع حسين أن الأعراض التي يتم تشخيصها كإصابة بالجن تصنف بالطب على أنها مرض نفسي، لكن بدلًا عن العلاج الطبي، يقوم السلفيون بتعريض المصاب لجلسات يستخدم بها نصوص القرآن التي يتم قراءتها لطرد الجن من الجسد. "عادة يعاني المريض من الهلوسة أو نوبات من الصرع والتي من الممكن أن تؤدي به إلى الموت ولكن حينها يقال إن الجن رفض مغادرة جسد المريض".
وفي العادة يمارس الرجال حصرا مهمة الرقية (طرد الأرواح) الشريرة من الجسد، ويبين حسين أن المنتخب لهذه المهمة يجب أن يكون كبير السن ومعروفًا بتقواه وورعه. ثم يقرُّ حسين استغرابه من حقيقة أن المجتمع الذي صنعه داعش والذي يمنع بشدة أي قرب بين الجنسين يقبل في نفس الوقت أن ينفرد رجل في مسجد هيبة خاتون بالنساء ليمارس معهن الرقية.
ويهذب حسين إلى القول "هذه الجلسات شهدت تعرض العديد من النساء لتحرش واعتداء "الرقاة" والذين اعتبرهم شيوخ الأزهر بأنهم "لا شيء سوى أشخاص مخادعين وفاسدين".
يتابع المؤذن عثمان" بعد مغادرة "داعش" لمدينة الموصل اعتقلت السلطات العراقية أبو يونس، ثم يناقض نفسه بعد هنيهة ويقول "للأسف ليس بوسعنا الاتصال بأبي يونس لأنه متوارٍ".
ويمضي المؤذن إلى القول" وبالرغم من انقضاء سنة على تحرير المدينة، إلا أن الكثير من النساء لا يزلن يبحثن عن هذه الجلسات، كما إنّ الكثير من النساء المنتميات للجماعة السلفية يمارسن هذه الطقوس. إلا أنه أكد أنّ مسجد هيبة خاتون، لم يعد يقدم مثل هذه الخدمات في أي وقت.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل