رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهر الشريف.. أنشودة خالدة


روى صاحب كتاب "ذخيرة الأعلام" في حديثه عن واقعة الشيخ "شهاب الدين أحمد بن عبد الحق السنباطي"، أحد الوعاظ في الأزهر الشريف، مع داود باشا، الذي تولى ولاية مصر سنة 945 هـ (1538 م)، فقد ذكر أنه حدث في شهر شعبان سنة 950 هـ أن الشيخ "ابن عبد الحق" قال يومًا لداود باشا، وهو في موكبه: إنه رقيق لا يجوز له أن يتولى الأحكام، وأن أحكامه باطلة ما لم يحصل على عتقه..


ثم انحاز الجند للشيخ، فأرسل الباشا نبأ الواقعة إلى السلطان العثماني فأنعم عليه بعتقه مع تبليغ الشكر إلى الشيخ. وسعى الباشا بعد ذلك إلى الشيخ واسترضاه وقبل رجله، ولم يقبل الشيخ منه مالًا ولا هدية، ولكنه أصبح من ذلك الحين لا يرد للشيخ رأيًا ولا شفاعة.

وفي العصر الحديث، حدث أن طَلَّق الملك فاروق زوجته الملكة فريدة، وأراد أن يُحَرِّمَ عليها الزواج بعده، ورفض الإمام المراغي أن يصدر فتوى بذلك، وذهب الملك إليه، حيث كان يعالج في مستشفى "المواساة"، فقال كلمته المشهورة "فأما الطلاق فلا أرضاه، وأما التحريم فلا أملكه"، ولما غلظ عليه فاروق، صاح الشيخ: "إن المراغي لا يستطيع أن يحرم ما أحل الله".

وكان من الدَّاعين لئلَّا تجر البلاد في الحرب العالمية الثانية إلى الانحياز للحلفاء، فـ "إنها حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل"، ولما احتد عليه رئيس الوزراء خوفًا من غضب إنجلترا، صاح به: "أتهددني وأنا شيخ الأزهر؟!؟.. "إن شيخ الأزهر أقوى بنفوذه من رئيس الوزراء، ولو شئت لارتقيت المنبر وأثرت عليك الجماهير حتى تجد نفسك معزولًا عن الشعب".

وكتبت عنه "التايمز البريطانية": إن "هذا الرجل أخطر على بلادنا وحياتنا من ويلات الحرب".

وحدث في عام 1926 أن نجح الشيخ "محمد الأحمدي الظواهري"، وهو أحد أبناء الأزهر، وتولى المشيخة فيما بعد، في توحيد مصر والسودان، وانتزع قرارًا رسميًّا بذلك، وذلك أثناء المؤتمر الإسلامي الذي عقد آنذاك في السعودية. ولما علم رئيس وزراء مصر عبد الخالق ثروت بهذا قال: "لم أكن أعلم أن الأزهر يخرج سفراء في السياسة".

قال الأديب الكبير عباس محمود العقاد عن الأزهر الشريف: "يكفي تاريخ كل فترة من حياة هذا المعهد الخالد، للتعريف بوظيفته التي استقر عليها، وبيان مكانته التي تبوأها من الأمة في أيام خضوعها لسلطان الدخلاء الواغلين عليها، فقد تقرر بحكم العرف والتقليد؛ وحكم العقيدة والسمعة، أنه صوت الأمة الذي يسمعه الحاكم الدخيل من المحكومين، وأنه ملاذ القوة الروحية في نفوس أبناء الأمة، وفي نفوس الحاكمين الذين يدينون بعقيدتها.....".

وقال الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة الأسبق: "ولقد هُيِّئَ لهذه المدينة منذ إنشائها أن تقوم فيها أقدم جامعة في العالم، وهي جامعة الأزهر، التي كانت منذ إنشائها منهلًا للثقافة الدينية، مكنت القاهرة بذلك أن تحمي لواء الثقافة الدينية بين شعوب العالم الإسلامي. كما كانت تلك الجامعة الأزهرية مشعلًا للفكر، فأيقظت الرأي، وأنارت الطريق أمام المفكرين، وكذلك كانت المبعث للنهضة العربية في القرن الماضي، وأصبحت كعبة القاصدين في الشرق والغرب".

وقال الدكتور بيير دوج: "إن الأزهر ظاهرة ظهرت مع الزمن شيئًا فشيئًا، عشرة قرون قام فيها حارسًا أمينًا على الدين الإسلامي وعلى اللغة العربية".

وقال الشيخ على الطنطاوي، من علماء سوريا: "وهل في الدنيا معهد علم له قدم الأزهر، وعظمة الأزهر، وأثر الأزهر في الفكر البشري، وفي الحضارة الإنسانية؟! أي معهد يجر وراءه أمجاد ألف سنة؟! فالأزهر درة الدهر تكسرت على جدرانه أمواج القرون وهو قائم".

إنه أزهر التاريخ.. أزهر العلم.. أزهر الفكر والتجديد.. والتطوير.. أنشودة خالدة.
الجريدة الرسمية