رئيس التحرير
عصام كامل

من أهالي الحلمية لمحافظ الشرقية: «أنقذونا أو اقتلونا»


سيادة المحافظ تحية طيبة، تلك ليست كلمات كاتب المقال فحسب ولكنها كلمات أهالي قرية بأكملها تأن من الوجع، وعلى تاريخ ضاع بعد أن كانت تعد من مصاف القرى الخدمية وحاصلة على ألقاب عديدة كأفضل قرية نموذجية على مستوى المحافظة، بل ووصلت لتصفيات مسابقات القرى النموذجية على مستوى الجمهورية، ولكن هيهات أن يبقى الوضع على ما هو عليه..


إنها قرية "الحلمية" التابعة لمركز أبو حماد، ففي أقل من شهرين قد تفضلت سيادتكم بزيارتها مرتين، واعدًا بحل أزمتها المستمرة في رصف طريقها الرئيسي الواصل بين مركزين من أكبر مراكز المحافظة، وهما مركزا «أبو حماد وبلبيس».

فالأزمة ليست شاملة كل الطريق ولكنها اللعنة التي أصابت المسافة الواصلة من مركز أبو حماد حتى قرية الحلمية، وتلك المسافة لا تتعدى الـ 4 كيلو مترات، وعجب العجاب أن المحافظة بكافة أجهزتها وقفت أمام تلك المسافة عاجزة على حل أزمتها منذ أن أصابتها لعنة توصيل خط الصرف الجديد. 

فمنذ أن بدأ المشروع منذ أكثر من 7 سنوات وتحول الحال من سيئ لأسوأ، الطريق تحول لمدقات، وبرك من الوحل والطين وتشققات وتصدعات في جدران المنازل، حتى أن أصبحت أمنية ساكنيها أن تنهار على رءوسهم المنازل لتكون رصاصة الرحمة الأخيرة من السادة المسئولين حتى يستريحوا مما أصابهم من الهم والمرض وسوء الحال، وكي يستريح السادة المسئولون من هموم هؤلاء.

سبق وأن كتبنا بتاريخ 16 نوفمبر 2018 مقالًا حمل عنوان «إلى محافظ الشرقية: اقتلوا أهل الحلمية كي تستريحوا»، سُرد من خلاله ما يعانيه أهالي القرية المنكوبة، وقد انتابني الشك ولو للحظات أن كلمات المقال لم تصل إليكم لولا ما آل إليه الحال مؤخرًا، خاصة بعد زيارتكم لتلك القرية خلال الشهر الماضي، فقد تيقنت تمامًا أنكم بالفعل قرأتم المقال وما به من نصيحة، بل والأكثر من ذلك أن تكاتفت أجهزة المحافظة لتنفيذ ما جاء بالعنوان دون أن ينظر مسئول ما تضمنته السطور. 

فجميع أجهزتكم قامت بالفعل بواجبها وسخرت كافة إمكانياتها لقتل أهالي الحلمية بالفعل، نعم هذا ما حدث بالفعل، فهل هناك أبشع من الإهمال أن يحاسب مرتكبه على أنه قاتل عامدًا متعمدًا؟!.. أليس التقصير من كبرى الجرائم في الملف الوظيفي للمسئول ؟!

يا سيادة المحافظ للأسف وقفت كافة أجهزتكم بالمحافظة بما فيها «الوحدة المحلية، ومجلس المدينة، ومديرية الطرق، والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وديوان المحافظة»، عاجزة عن حل أزمة 4 من الكيلومترات.

الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية، نحن وكل أهالي القرية المنكوبة، على علم تام ومقدرون ما قمت به سيادتكم من إصدار قرارات فورية بعد زيارتكم الأولى للقرية في نوفمبر الماضي، من رد الشيء لأصله في الطريق، ويحسب لكم أنكم أول محافظ يولي القرية اهتمامًا بزيارته المباركة، ولكن اسمح لي أن أوصل لك رسالة الأهالي: «قريتنا ليست في حاجة لزيارات وجولات المسئولين قدر حاجاتها لضمائر حية وقرارات حاسمة بحل المشكلات التي يأن لها الولدان وتأبى الخروج لرؤيتها الأجنة في بطون أمهاتها».

ليست في كلماتي أدنى مبالغة ولا أتجنى على المسئولين، ولكن ما هو تقييمكم لمسئول يعجز عن حل أزمة طريق لا تتخطى مسافته الـ4 كيلومترات؟!

وحتى لا ينتابكم الشك فيما ننقل إليكم سيادة المحافظة من مأساة القرية، فمنذ أشهر قليلة بعد أن أصدرتم قراركم الفوري بالانتهاء من أعمال الصرف ورصف الطريق ورد الشيء لأصله، نزلت فورًا بالفعل المعدات وقامت بعملها بمسح روتيني للطريق الذي لم يمر عليه أكثر من شهر، حتى شهد الطريق هبوطًا أرضيًا كاد أن يودي بحياة العشرات من مستقلي إحدى سيارات الاجرة، بعدما سقطت السيارة بمن فيها في حفرة أرضية نتيجة أعمال الرصف غير المدروسة.

وللعلم فسيارات الأجرة عندنا تسمى «الكبوت» وهى سيارات «نقل البهايم» في أماكن أخرى -مع الاعتذار للفظ سيارات- وهى وسيلة المواصلات الوحيدة المتاحة ذهابا وإيابا لتلك القرية المنكوبة، وتحمل بداخلها 12 راكبا وبالخارج عدد مماثل، مما يجعلها بمثابة «نعش» متحرك ينقل أحياء على بعد خطوات من الموت.

كثير من التظلمات والفاكسات أخذت مسارها الطبيعي والرسمي بدءا من الوحدة المحلية ومجلس المدينة مرورًا بمكتب المحافظ وصولا لشكاوى مجلس الوزراء، ولا حياة لمن تنادي، كلها تصريحات تأتي بوعود بسرعة الانتهاء من الطريق والمرافق التي باتت تهدد كل من يخرج من بيته، حتى ومن قرر البقاء في منزله مهدد هو الآخر بسبب تآكل جدرانه لتراكم مياه الصرف في الشوارع لأيام وتصل أحيانا لأسابيع متتالية دون أن يتحرك للمسئولين ساكن.

وقد كتبت مسبقًا عن معاناة القرية المنكوبة التي تجاوز عدد سكانها الـ34 ألف نسمة -ولم يكن أولا ولا آخرًا-، كان تقريرًا مصورًا مع نماذج من الأهالي الذين سردوا معاناتهم ونُشر في مايو 2018، وبعدها خرج تصريح من المحافظ السابق اللواء خالد سعيد، وعدد من مديري القطاعات المنوطة، بحل فوري وجذري للأزمة، وحتى تاريخه لم يطرأ تغيير لمسه الأهالي.

عذرًا بالفعل طرأ التغيير الذي لا يمكن أن ينكره إلا جاحد، فقد زادت الشوارع سوءًا، والخدمات من سيئ لأسوأ، وبرك المياه انتقلت من الشوارع الفرعية للرئيسية، حتى إن الطريق المواجه للوحدة المحلية للقرية غارق في «الوحل»، وكأن المسئولين يهبطون إلى مكاتبهم من السماء دون المرور بالشوارع وبرك الطين.
فمن ينقذنا من هذا الإهمال؟!
الجريدة الرسمية