ماري كولفين.. نقلت خبر رحيل مبارك من التحرير وقتلها الأسد بصاروخ
أصدرت قاضية أمريكية، حكما يحمل حكومة الرئيس السوري بشار الأسد المسئولية القانونية عن مقتل الصحفية الأمريكية الشهيرة ماري كولفين عام 2012، أثناء تغطيتها للحرب الأهلية لصالح صحيفة صنداي تايمز البريطانية، والتي سافرت لها لتغطية الأحداث بعد شهور من زيارتها لميدان التحرير في القاهرة إبان حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
ضد الأسد
وبحسب وكالة "رويترز"، يعني الحكم دفع تعويضات لا تقل عن 302.5 مليون دولار لدور الحكومة السورية في مقتلها.
وقالت القاضية آيمي بيرمان جاكسون في الحكم الذي نشر يوم الأربعاء: إن الحكومة السورية ”ضالعة في عملية قتل مواطنة أمريكية خارج إطار القانون".
وقُتِلت كولفين (56 عاما) مع المصور الفرنسي ريمي أوشليك في مدينة حمص المحاصرة بسوريا عام 2012 أثناء تغطية الصراع السوري.
الموت بالصواريخ
واتهمت الدعوى المدنية، التي أقامتها أسرة كولفين في عام 2016 أمام محكمة أمريكية اتحادية، مسؤولين سوريين في حكومة الأسد بأنهم أطلقوا عن عمد صواريخ على ستوديو مؤقت للبث كان مقرا للإقامة والعمل لكولفين ولصحفيين آخرين.
ولم تكن الحكومة السورية مشاركة في الدفاع عن موقفها في القضية.
وقال ديكسون أوزبورن، المدير التنفيذي لمركز العدالة والمحاسبة، وهو جماعة أمريكية معنية بحقوق الإنسان أقامت الدعوى نيابة عن أسرة كولفين إن تلك الدعوى كانت الأولى التي سعت لتحميل حكومة الأسد المسئولية عن جرائم حرب. وبعد رفعها بدأت إجراءات قانونية مماثلة في دول أوروبية منها ألمانيا ضد الحكومة السورية.
وأضاف أن الحكم قد يمهد الطريق أمام المزيد من المحاسبة لأفعال الأسد.
عمل مجنون
وقالت القاضية: الهجوم على مركز إعلامي يضم صحفيين أجانب مما أدى لسقوط قتيلين وعدد من المصابين، هو عمل لا يتصوره عقل، وحكمت بالتعويضات المطلوبة، إضافة لتعويضات إضافية على أن يتم احتساب المبلغ الإجمالي في وقت لاحق.
وفي مقابلة، أجرتها شبكة "إن.بي.سي نيوز" مع الأسد، ونقلتها "سي.إن.إن"، قال الرئيس السوري: إن كولفين تتحمل مسئولية مقتلها، لأن البلاد كانت في حرب وهي جاءت لسوريا بصورة غير قانونية وعملت مع الإرهابيين.
وجسدت الممثلة البريطانية روزاموند بايك دور البطولة في فيلم عن حياة كولفين أُنتج العام الماضي تحت اسم "حرب خاصة"، مما جذب الانتباه مجددا للمسيرة المهنية للصحفية الراحلة.
أكره الحرب
ماري كولفن هي صحفية أمريكية، كانت تعمل لحساب صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، لأكثر من 20 عامًا، وهي من مراسلي الحروب المخضرمين، وقامت بتغطية الصراعات حول العالم، فسبق أن غطت الحرب العراقية- الإيرانية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بجانب الأوضاع في مصر وليبيا وكوسوفو وسيراليون وتيمور الشرقية، وكانت فقدت عينها اليسرى خلال تغطيتها تمرد مسلحي التاميل في سيرلانكا مطلع العقد الماضي.
ومن أشهر الجمل التي قالتها على رحلة عملها: "أكره أن أكون في مناطق الحرب، لكنني أشعر أنني مضطرة لذلك، ربما أود الحياة بشكل طبيعي، ربما لا أعلم كيف أفعل ذلك فحسب".
بالرغم من إصابتها في سيرلانكا، وما نتج عنها من ندوب في داخلها إلا أنها عادت إلى أرض المعركة، لتغطي عددًا كبيرًا من الحروب في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
زوجها السابق باتريك بيشوب الذي غطى أحداث الشرق الأوسط معها في التسعينيات لصالح صحيفة التليجراف قال إنه لم يرها خائفة أبدا.
وحسب زميلها الأمريكي الآخر الذي ذهب ضحية الأزمة السورية، أنطوني شديد، كانت ماري متواضعة، بالرغم من إنجازاتها والجوائز التي حصلت عليها.
ويقول أنطوني في تصريحات سابقة لـ"بى بى سي": كانت ماري تحب الحياة، كانت تحب الحفلات ومآدب العشاء، وكانت تعشق رياضة سباق اليخوت.
مضيفا: حين استؤنف قصف حمص صباح الأربعاء، وعقب مقابلة رائعة أجرتها مع بي بي سي، أرسلت لها رسالة نصية تقول "مادة رائعة، كولفين، ستجعليني أفقد وظيفتي. آمل أن تكوني في أمان. اهتمي بسلامتك أيتها المجنونة.. قبلاتي"، ولم أتلق جوابا.
نبرة صوتها
في الوقت الذي دخلت فيه ماري كولفين خلسة إلى سوريا، لإعداد تقارير صحافية عن المذابح الدائرة هناك لنشرها بصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، كانت مثل الأسطورة في زيها المميز، وسترتها الواقية من الرصاص، وغطاء العين الذي اشتهرت به، فضلًا عن مقالاتها الجريئة والشجاعة في مناصرة وتأييد ضحايا الحرب من الأبرياء، ولقد كانت تلك هي آخر قصصها الصحافية.
ولقد كشفت الكاتبة ماري برينر في مقال لها نشر بمجلة "فانيتى فير" يوليو 2012، عن الثمن الباهظ الذي دفعته ماري كولفين لقاء عملها الذي لم تتمكن، أو ربما تحتمل، التخلي عنه.
وأضافت: «بالنسبة لكل من عرفوها شخصيًا، كانت نبرة صوتها مميزة وواضحة للغاية. ولم تفلح كل السنوات التي أمضتها في لندن في الإتيان على نبرتها الأمريكية الرخيمة. تمامًا كذكريات الضحكات العالية المجلجلة التي دومًا ما كانت تندفع رغمًا عنها عندما يتأزم الموقف، ويبدو أنه لا مخرج هنالك قط. غير أن أحدًا لم يسمع تلك الضحكات في تلك الليلة العصيبة التي تلمست فيها طريقها رفقة كونروي عائدين لتغطية المذبحة التي ارتكبتها قوات النظام على مقربة من الحدود السورية الغربية، لقد استحالت مدينة حمص العتيقة إلى حمام دماء كبير».
وجاء في المقال: إنها «كانت في كامل لياقتها وصلاحيتها الصحافية؛ وقد خلفت وراء ظهرها كل ما خبرته من أزمات واضطرابات في حياتها الصاخبة. وكانت حمص، كما خطت كولفين بكلماتها عقب بضع ساعات، رمزًا لثورة مهيضة ومدينة أشباح رهيبة تتردد في صداها قعقعات القصف الجوي القميء وزخات رصاصات القناصة الغادرة التي تلاحق تلك السيارة اليتيمة التي تستقلها في محاولة أخيرة للحاق بقاعة المؤتمرات الباقية التي تضم في قبوها 300 من النساء والأطفال العزل في برد قارس وظلام مخيف. وفي ظلال الشموع الخافتة يولد طفل سوري جديد في غياب تام لأي رعاية طبية ممكنة، ومع القليل مما يندر وجوده من ماء أو غذاء».