رئيس التحرير
عصام كامل

«عم صبحي.. 29 عاما في عشق معرض الكتاب».. لم يتزوج وعلم نفسه بنفسه.. سمير غريب صاحب بصمات واضحة في حياته.. وكتب أديب نوبل أقرب أصدقائه (صور)

فيتو

بينما كان العشرات من حضور ندوة رضا عبد السلام المذيع بإذاعة القرآن الكريم يناقشون كتابه "نقوش على الحجر"، لفت نظرهم داخل القاعة المخصصة للمناقشة بمعرض الكتاب رجل ذو ملامح خاصة بجلبابه وطاقيته وتلك الحقيبة المعلقة بجواره، تحمل مجموعة من الكتب التي يتفقدها كل حين، للاطمئنان على مقتنياتها الثمينة بالنسبة إليه، يطلب الميكروفون للتحدث بلسان فصيح، وكلمات منظمة لا تخرج بهذه السلاسة إلا من شخص واع، موجها كلامه للمذيع المعروف جيدا له: "أتيت اليوم خصيصا لحضور ندوتك، وهذا من متابعتي لك عبر أثير إذاعة القرآن الكريم لسنوات عدة، لا أريد النقاش، ولكن أعبر لك عن امتناني لموهبتك وتجربتك المفعمة بالتحدي والعبرة، أقدرك وأحترمك وأحبك في الله!".


الصمت ساد القاعة، فمن هذا الفلاح الفصيح ؟!
"صبحي قدح" يبلغ من العمر ٦٦ عاما، فلاح يعمل بالزراعة منذ الصغر وحتى الآن، رجل مكافح علم نفسه بنفسه، بدأت هذه العلاقة الحميمة بينه وبين الكتب بعد عودته من رحلة عمل بحثا عن زيادة الدخل بالعراق سنة ١٩٩٠، وتحديدا في معرض الكتاب بأرض المعارض، قطع كل هذه الكيلومترات من محافظة القليوبية لزيارة قريب له في القاهرة، وعندما علم بالمعرض اقتاده الفضول لرؤية هذا المكان.
مشهد آخر منذ ٢٩ عاما، معرض الكتاب بدورته الـ٢١ ندوة الناقد الفني سمير غريب يتحدث خلالها عن أكاديمية الفنون، دخل صبحي قاعة المناقشة مذهولا ومأخوذا بجلال المنظر من وجهة نظره، أغرته الديكورات والكتب المعلقة هنا وهناك، استفزته المناقشة ليسأل بتلقائية في ورقة مكتوبة بخط يفصح عن القدر التعليمي لصاحبها، والذي توقف عند الشهادة الابتدائية: "أنا مواطن مصري من قرى مصر أريد أن أعرف معنى أكاديمية الفنون؟"

من بين كل الأسئلة استوقف هذا السؤال الناقد سمير غريب، وأراد أن يتعرف على صاحب هذه الورقة، وشعر بصدق كلماته ورغبته في التعلم والمعرفة الحقيقية، ووطد معرفته به، وتبناه ثقافيا وأعطاه مجموعة من الكتب ليقرأها، منذ هذه اللحظة تغيرت حياة هذا الفلاح، ليقع في غرام القراءة، ويعد العدة لاستئناف رحلته التعليمية، فبدأ من معهد قراءات شبرا لتجويد القرآن الكريم لمدة عامين، ثم التحق بمدرسة لتعليم الخط العربي، وحين أنهى الدراسة وكاد أن يحصل على الدبلوم ألزمه المعهد بالحصول على الإعدادية كحد أدنى للحصول على الشهادة، فعمل معادلة لمدة عامين توازي الشهادة الإعدادية، ثم عاد لمدرسة الخط العربي، وحصل على الدبلوم بعد ٤ سنوات.

هذا الرجل الستيني لم يجد رفيقا لرحلته سوى الكتاب، فلم يتزوج أو ينجب وليس له أصدقاء، ليصف علاقته بالكتب في هذه الكلمات: "لقد كنت وحيدا لا أجد مغزى من وجودي، لا صديق ولا رفيق ولا زوجة ولا ابن، حين تعرفت عليهم أصبحوا هم أصدقائي وأبنائي وأحبائي، صار الغيطاني وأدونيس وفاروق شوشة والدكتور حسن ظاظا ونجيب محفوظ دائرة معارفي، وأصبحت أنا هذا الرجل الواقف أمامك أتحدث العربية الفصحى، وأعتز بجلبابي وطاقيتي وهويتي، ففصاحة لساني لا تكتمل دون هيئتي، وحقيبتي هي الوسيلة لمقابلة أحبتي من الكتب، ومقتنياتي منها هي إرثي، الذي جنيته وأنا حي أرزق من فضل الله وعلمه، هذه المسافة التي أقطعها سنويا، لا أشعر بها، بل أنتظرها، لا أسافر وحيدا بل برفقتهم، برفقة أحبتي "كتبي".

نقلا عن العدد الورقي
الجريدة الرسمية