رئيس التحرير
عصام كامل

دولة التلاوة.. من عصر «الصييتة» إلى زمن «السوشيال ميديا».. القراء الجدد يشترون زيارات مدفوعة لمضاعفة عدد أتباعهم.. قنوات اليوتيوب تكشف التلاعب.. ومواقع لتحديد سعر الزيارات الوهمية

فيتو

في مسجد قاهري كبير.. اعتدل قارئ السورة في مجلسه لتلاوة قرآن الجمعة، وما إن استعاذ الشيخ وبسمل حتى تصايح القوم وتعالت أصواتهم إعجابا، وعندما اعترض أحد المصلين كاد مريدو الشيخ أن يفتكوا به.


هذا المشهد المؤسف الذي يتكرر حصريا في مصر منذ سنوات طويلة أعاد إلى الأذهان زمن «الصييتة» الذي كان يصحبهم القراء متوسطي ومحدودي الموهبة لـ «تصييته» أثناء التلاوة مقابل نفحة مادية، ومع تعاقب السنين وبعد الثورة التكنولوجية لجأ الجيل الجديد من القراء إلى السوشيال الميديا لتسويق أنفسهم على نطاق واسع لرفع أسعارهم في «سوق التلاوة».

الهتيفة
ظهر «هتيفة» قراء القرآن منذ ما يزيد على النصف قرن، يصاحبون القارئ في كل تنقلاته، مستأجرون يجلبهم القرّاء معهم، مهمتهم الأساسية الأداء بإخلاص وإيمان ظاهر، والتهليل للقارئ فيما يتيسر له من آيات الذكر الحكيم، فتجده يصيح فجأة أثناء القراءة "الله" أو "الله أكبر"، وآخر يكمل الدور "الله يا مولانا"، نفس هؤلاء يخرجون من سرادق في مأتم إلى مسجد أو مولد، والأجر كان بضعة قروش أو "عزومة فخمة" في ساحة المسجد الحسيني أو السيدة زينب، وكان القراء في سرادقات العزاء يصطحبون "الهتيفة" للتهليل والإشادة بتجويد المقرئ، وهي أكبر مهمة للهتيفة مع تكرار اسم المُقرئ بصوت عال، وكأنهم يريدون تحفيظه للمعزّين.

مواقع التواصل الاجتماعي
مع مرور الزمان اختلف شكل "الهتيفة"، فقراء القرآن حاليًا يستعينون بمواقع التواصل الاجتماعي وشراء عدد من المستخدمين "users" غير الحقيقيين، وخاصة أن آخر تقرير عن العالم الرقمي 2018 كشف عن استخدام 4 مليارات مستخدم للإنترنت في العالم، منهم 3 مليارات مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي، منهم مليارين و167 مليون مستخدم للفيس بوك، ومليار و500 مليون مستخدم لليوتيوب، وتعد القاهرة من بين أكثر 9 مدن في العالم استخداما للإنترنت، بـ50 مليون مستخدم، منهم 38 مليون مستخدم مواقع تواصل اجتماعي، بحسب موقعي We Are Social and Hootsuite.

استغل بعض قراء القرآن حاليًا عمليات شراء الـ"يوزر" ليكونوا "هتيفة" لهم في العصر الحديث، وخاصة أن عملية شراء الزوار باتت معروفة وأسعارها محددة، فموقع "زوار" على الإنترنت يضع أسعارا محددة لشراء نسبة محددة للزائرين من مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكن شراء 25 ألف زائر عالمي لمدة شهر بمبلغ 4 دولارات، أما شراء 25 ألف زائر عالمي مميز لمدة شهر فبـ9 دولارات، و25 ألف زائر عربي 25 دولارا، ويبلغ سعر شراء 100 ألف زائر عالمي لمدة شهرين 10 دولارات، و100 ألف زائر عالمي مميز بنفس المدة 35 دولارا، ومليون زائر عالمي لمدة 3 أشهر بسعر 80 دولارا.

الأمر بات بسيطًا والهتيفة الجدد أصبح لهم سعر محدد، فظهر من يطلق على نفسه "أسطورة القراء" و"عملاق التلاوة" و"الأسطورة الخالدة"، وكلها أسماء ترويجية للشهرة يضعها القراء الجدد على موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب"، لاستقطاب أكبر عدد من الزوار للترويج.

غرائب

ظهرت قناة على "اليوتيوب" تعرف بقناة القارئ محمد عباس من سوهاج، استقطبت 38 ألفا و68 متابعا، ولم تحو إلا ابتهال واحد له بعنوان "رسول الله يا صاحب الخلق" جذب 10 آلاف و122 معجبا، في حين نجد فيديو بعنوان "مقطع نادر من سورة القمر لعشاق صوت الشيخ البهتيمي" جذب 488 متابعا فقط!

ولجذب مزيد من الزوار فضل بعض القراء أن يضعوا قبل أسمائهم لقب "الأكثر إبداعًا"، فظهر أحد الفيديوهات بعنوان "القارئ الأكثر إبداعا في تاريخ قــراء الوطن العربي أنور الشحات" استقطب الفيديو 29 ألفا و263 مشاهدا.

أما أغرب صور الاستقطاب فكانت لقارئ شاب ظهر في فيديو بعنوان "مصري صاحب موهبة جبارة يقلد 15 من القراء بدون توقف"، استقطب مليونين و251 ألفا و181 مشاهد في فترة قليلة!

المتابع لأصوات كبار قراء القرآن الكريم الشيخ محمد صديق المنشاوي، وَالشيخ عَبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمود البنا وغيرهم، يدرك الفرق، فهؤلاء الكبار لم يكن لهم هتيفة، ولم يكن يسبق أسماءهم لقب ما سوى الشيخ، بالرغم من عبقرية أصواتهم القادمة من السماء.

فقراءة من نوادر الشيخ محمد صديق المنشاوي لم تستقطب سوى ألف و700 مشاهد، وصفحة روائع الشيخ المنشاوي لم تستقطب سوى ألف و300 متابع، أما التِّـلاوة التي اِنحنى فيها الشيخ المنشاوي خاشعًا فلم تجذب سوى 5 آلاف و700 معجب على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"!

نقلا عن العدد الورقي..
الجريدة الرسمية