أحمد بهاء الدين يكتب: يا ساتر على الناس
في مجلة صباح الخير عام 1957 كتب الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين مقالا قال فيه:
"كان عليّ أن أسهر مع فريق منهم ليلة كاملة بينهم طالبة تخرجت من الجامعة منذ عام وهى خريجة المدارس الفرنسية، ومنهم شاب عاش في باريس سنوات، ورجل فوق الأربعين هو وزوجته متحذلق منافق لا يصنع شيئا في حياته حيث يحصل على إيراد الأرض التي ورثها، ومع ذلك فهو مشمئز الوجه دائما.. إذا طارت أمامه ذبابة لعن البلد ومن فيها متناسيا أنه لم يقدم للبلد شيئا".
وتابع: "كنا جالسين ليلة في أحد الكازينوهات المطلة على النيل، وسمعنا المذيع يقول في الراديو أنه سيقدم أغنية لنجاة الصغيرة، فقلت إنى أحب صوت نجاة الصغيرة الحنون المليء بالشجن، وإذا بهم لم يتحمسوا لذوقى مستنكرين هذا الذوق، بل تسابق كل منهم يتكلم عن المطربة الفرنسية والإيطالية التي يفضلها وكيف أن أذنه لا تستسيغ الغناء المصرى،وهم في دهشة كيف أن إنسان مستنير متحضر حو حضرتى سافر إلى أوروبا كثيرا ويأكل بالشوكة والسكين ثم يسمع أغنية كلمنى عن بكرة، يامه القمر ع الباب".
وأضاف "بهاء الدين":" مثل هؤلاء الناس يشبهون النبات الذي انتزع من الأرض فأصبح بلا جذور، والنبات إذا انتزع من جذزره لايعيش طويلا، أي يتحول إلى جماد ميت لا عطر له ولا ماء فيه.. مثل هؤلاء مصريون بلا جذور انتزعوا حياتهم من التربة التي انبتتهم ووضعوا انفسهم في اناء أنيق جذاب مستورد من الخارج، لكن مالبثوا أن جفوا وذبلوا في الاناء واصبح منظرهم مضحكا".
وأردف: "هذا النوع واسع الانتشار تزداد نسبته انتشارا كلما ارتفعنا في الطبقات الاجتماعية أي كلما توغلنا في ما نسميهم أولاد الذوات، الملامح العامة لهذا النوع يمكن تجسيدها في سيدة تتكلم الفرنسية أكثر مما تتكلم العربية، وهى لا تطيق سماع أغنية عربية أو رؤية رقصة شرقية، وقد تجد عندها كتابا لفرويد أو مسرحية لشكسبير ولكنك لا تجد عندها رواية لتوفيق الحكيم أو نجيب محفوظ، وهى تتباهى من طرف أنفها أنها لم تخرج في العيد لأن الشوارع زحمة في حين تتحدث بإسهاب في عما ستفعله ليلة الكريسماس".
واستطرد:" نحن مطالبون بأن نتصل بالحضارة العصرية الأجنبية بشرط أن نبقى على الطابع الاصلى لنا..فمن المقبول أن يسمع المرء الموسيقى الغربية الكلاسيك فهى متعة وثقافة لكن أن تفقد أذنك علاقتها بالنغمة الشرقية فهذا غير مقبول، أن الإنسان يحب ويعجب ببلاد غير بلاده وقد يكره ضعف بلاده وتأخرها لكن تظل في نفسه عاطفة ارتباط وحنو وفهم خاصة نحو بلده".
وأختتم "بهاء الدين مقاله قائلا: "البلد كالأم قد يعجب المرء بأم أخرى متعلمة وقد يقارنها بأمه التي لا تقرأ ولا تكتب وليست أنيقة لكنها تظل أمه وصدرها وحده هو الذي تستطيع أن تسند عليه رأسك".