رئيس التحرير
عصام كامل

900 مليار جنيه فاتورة التهرب الضريبي.. مطالب بتعديل القانون وإنهاء زمن «التصالح الودي».. المالية: ميكنة الضرائب تمنع التهرب.. وخبير اقتصادي: الإيرادات الضريبية 12% من الناتج المحلي

الدكتور علاء رزق،
الدكتور علاء رزق، الخبير الاقتصادى

«عند زيارتك لإحدى العيادات الكبرى تكتشف أن كشف الطيب 1000 جنيه وأنه يقدم ذلك الكشف دون فواتير، وهو ما يجعله يتحايل على القانون ويخلى نفسه من ضرائب المبيعات المفروضة عليه بكل سهولة، وينبغى على العيادة دفع الضرائب في حال بلغت مبيعاتها السنوية ما يزيد على مليون جنيه ولكن بسبب غياب الفواتير الرسمية للمبيعات، يقدم صاحب العيادة إقرارا يفيد بأن إيراداته أقل من ذلك خلال العام، وبالتالى لا تحصل الدولة على حقوقها من الضرائب».


جريمة متكاملة الأركان
ما سبق لا يمكن التعامل معه إلا كونه «جريمة متكاملة الأركان»، غير أن القانون المصرى لا يتم تطبيق مواده ضد من يقوم بهذا الجرم، وفى العادة تكون «المحاباة» و«الاتفاقيات الودية» هي الأسلوب الوحيد الذي يتم اتباعه، في الوقت الذي تخسر فيه الدولة حقا جديدا من حقوقها، وهو ما يندرج تحت بند «الفساد الإدارى».

المثال السابق ينطبق أيضا على قطاعات عديدة تقوم بنفس الطريقة ونفس الأسلوب، لا سيما في قطاع السياحة والمطاعم الكبرى، وإلى جانب هذا هناك طريقة أخرى للتهرب من الضرائب، منها ضريبة الدخل خاصة في ظل وجود موظفين خارج الجهاز الحكومى الذي تسيطر عليه الدولة، غير خاضعين لضريبة الدخل، لأن أصحاب الأعمال لا يبرمون عقودا للموظفين، ولا تأمينات لهم.

مصدر من داخل وزارة المالية، أكد أن تقديم الإقرارات الضريبية بشفافية مهمة مجتمعية يجب على المواطنين عدم تضليل الحكومة، مشيرا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تغييرًا في بعض التشريعات الضريبية وميكنة الضرائب ستوقف المهربين.

الأزمات الاقتصادية
ومن جهته أكد الدكتور علاء رزق، الخبير الاقتصادى، رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام، أن «التهرب الضريبى يعد من أهم الأزمات الاقتصادية التي تواجه الحكومة»، مشيرًا إلى أن «مصر تتحصل من الإيرادات الضريبة بما يعادل 12 % من الناتج المحلى الإجمالى بقيمة 800 مليار جنيه سنويا، بينما بالمقاييس العالمية يعتبر هذا معدلا صغيرا»، موضحا أن النسبة العالمية يحب ألا تقل عن 25 % من الناتج المحلى الإجمالى.

«رزق» كشف أيضا أن حصيلة «التهرب الضريبى والتجنب» في مصر توازى 13% من الناتج المحلى الإجمالى أي ما يساوى 900 مليار جنيه سنويا، مضيفًا: «هناك فارق بين التهرب الضريبى والتجنب، فالأخير يعنى استعمال مواد القانون بما يحقق مصلحة بصورة ما، ولا يحقق أي ضرر جنائى أو قانونى، أما التهرب فيعنى إساءة استخدام مواد القانون ومخالفة القرارات الضريبة المقدمة بصورة لا تعكس الواقع.

الإقرارات الضريبية
كما أوضح أن «الإقرارات الضريبية في مصر تتركز بصورة أكبر بشأن ضريبة كسب العمل للمرتبات، وليس من ضريبة الأرباح التجارية والصناعية على الأشخاص الاعتبارية والحقيقيين، والتي من المفترض أن تأتى منها النسبة الأكبر، ولهذا فإن السياسية المالية لا بد أن تعتمد الإقرارات الضريبية على ضريبة الأرباح التجارية والصناعية بصورة أكبر مما هي عليه الآن».

كما أشار «رزق» إلى أن إيرادات «ضريبة المهن الحرة» على سبيل المثال على الفنانين والممثلين والأطباء والمحامين لا تتعدى مليار جنيه سنويا، مما يدل على التهرب والتجنب.

وعن كيفية مواجهة التهرب الضريبى، قال «رزق»: لا بد من إصدار تشريعى قانونى للضرائب يراعى مبادئ العدالة الاجتماعية والاقتصادية، كما أن قانون 91 لسنة 2005 الذي حل محل قانون 159 لسنة 1981 به شبهات، ولا بد من تعديله بحيث يكون مسايرا للقوانين والأوضاع العالمية، كما أنه لا بد من وجود أجهزة رقابية حقيقية تطبق معايير الحوكمة والشفافية، فـ90% من الفساد الإدارى يأتى من مصلحة الضرائب، وهو ما يتطلب وجود أجهزة رقابية فعالة لمواجهة الأمر.

جريمة مخلة بالشرف
وتابع: على سبيل المثال نجد أن الجريمة الأولى المخلة بالشرف بالولايات المتحدة هي التهرب الضريبى، بينما في مصر لا توجد الأدوات التي تُجرم التهرب الضريبى، لأنه في نهاية الأمر يتم التصالح في وقائع التهرب الضريبى، وبالتالى فنزعة التهرب الضريبى عالية، كما أن القانون ينص على دفع تعويضات في حالة التهرب الضريبى تعادل «مثلى الضريبة»، لكن على أرض الواقع نجد أن هناك نوعا من «المحاباة» مما يعد أسلوبًا من أساليب التهرب الضريبى والذي يدخل تحت طائلة الفساد الإدارى.

وفى نفس إطار «مواجهة التهرب الضريبى»، قال الدكتور فرج عبد الفتاح أستاذ الاقتصاد، جامعة القاهرة: علينا إدراك أن مواجهة التهرب الضريبى تعتبر مسألة هامة وملحة، والاقتصاد المصرى لديه من الإمكانيات التي تساعده على مواجهة هذا التهرب، كما أننا يجب أن نتعامل جميعا مع هذه الظاهرة باعتباره أمرا غير مرغوب فيه، ويمكن أن يؤدى إلى فساد المجتمع بأكمله وإثراء عدد محدود على حساب الآخرين، وبالتالى لا بد أن نتعاون جميعا في مواجهة هذه الظاهرة.

وعن أبرز حيل «تهرب المشاهير من الضرائب» قال «عبد الفتاح»: هذا يتم من خلال إنكار ما تم اكتسابه وبالتالى لا يسدد الإقرار الضريبى، ولا بد من مواجهة هذا الأمر بحسم لأنه يؤدى إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد المصرى والإيرادات الضريبية، وبالفعل هناك عقوبات منصوص عليها في القانون، وأرى أنه من المفترض أن يتم تغليظها وتطبيقها بحسم لمواجهة ظاهرة التهرب.

في حين قال خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى: حجم الاقتصاد الموازى يبلغ تريليونى جنيه كحد أدنى، وتحصيل المستحقات الضريبية منه تمثل حصيلة لا تقل عن 500 مليون جنيه سنويا.

تهرب المشاهير
وحول الحيل المتبعة للتهرب من الضرائب للمشاهير من الفنانين والرياضيين، كشف «الشافعى» أنه يتم التعاقد بمبالغ تخالف الحقيقة، وهو الأمر الذي يتطلب زيادة تأكيد، وفحصا من جانب مصلحة الضرائب لحقيقة عقود الفنانين واللاعبين مع شركات الإنتاج والأندية، مشددًا على أن إفصاح شركات الإنتاج والأندية عن قيمة العقود يسهل عمل مصلحة الضرائب وعدم قدرة بعض الممولين من التهرب الضريبى وإضاعة حق الدولة، وأن الشمول المالى والذي يجرى تطبيقه يساهم في زيادة الشفافية والقضاء على التهرب الضريبى.

وأضاف: وتتمثل أفضل الطرق لمواجهة التهرب الضريبى في تبسيط القوانين الضريبية وتوحيد القوانين المطبقة في الضرائب، هذا إلى جانب الحوافز التي تقدمها المصلحة للممولين وتشجيعهم للدخول في المنظومة الضريبية يساهم في دخولهم في إطار عمل الضرائب وإظهارهم للمبالغ الحقيقة التي يتقاضونها دون أية محاولات للتهرب.

في السياق أكد دياب محمد، الخبير الاقتصادى، أن تقليل ظاهرة التهرب الضريبى يمكن من خلال تطبيق الشمول المالى وتحول جميع الأفراد والممولين إلى الشمول المالى سيجعل الاقتصاد الموازى والرسمى في إطار واحد، وسيكون من السهل تتبع كل ممول وتتبع الإيرادات المسقطة وفوارق الإيرادات.

ولفت إلى أن الشمول المالى يساهم في محاسبة بعض الفئات التي يصعب التحاسب معها، مثل الذين يعملون بدون ترخيص، مشددا على ضرورة وجود أساليب حصر جيدة للأنشطة المختلفة وخاصة المتخصصة منها والمتباينة، وسرعة الفحص الضريبى بعد تقديم الإقرارات.

نقلا عن العدد الورقي 
الجريدة الرسمية