رئيس التحرير
عصام كامل

معرض الكتاب بين الأناقة.. وانعدام الرؤية الثقافية!


تم بحمد الله افتتاح معرض الكتاب في موقعه الجديد، الذي يراه البعض أنه بعيد عن قلب القاهرة وسيعانى المواطن العادى في سبيل الذهاب إليه، ولأول مرة يفتتح السيسي هذا المعرض الأعرق في عالمنا العربى والأفريقى أيضا، الافتتاح جاء مواكبا لمرور نصف قرن على بدايته في 1969..


هذه الدورة هي بلا شك تاريخية لأسباب كثيرة، منها على سبيل المثال أنها أول دورة في الموقع الجديد الذي شيد على أحدث تكنولوجيا، وبخبرة أكثر من نصف قرن محليا ومشاهدة ومتابعة لما يقدم في العالم، من ناحية أخرى فإن المعرض الجديد بلا شك جديد ويتمشى مع روح العصر بما يتضمنه من قاعات وأماكن عرض...الخ، ولكن بعيد عن المبانى الأنيقة والنظافة التي يتميز بها المعرض الجديد فإنها أول معرض يتم الاستعداد له من قبلها بعام كما أعلن في المعرض السابق..

فماذا يقدم من فعاليات بعيدا عن عرض الكتب من الناشرين؟، بعض الفعاليات تقدم إقحاما بلا داع أو بلا رؤية حقيقية لما يجب أن يقدم وما يجب لا يقدم، فإن المعرض عندما اختار الجامعة العربية كضيف شرف فقد خانه التوفيق، لا أدرى ما علاقة جامعة العربية بالمعرض خاصة أنه كيان متصدع وفاقد تماما أي دور..

أليست جامعة الدول العربية هي التي طالبت الناتو بالتدخل في ليبيا وكانت النتيجة ما نراه من تدمير ليبيا وتقسيمها والله اعلم كيف ستستقر الأمور؟ أليست جامعة الدول العربية التي وقفت مع أعداء سوريا وطردتها من عضويتها وتركت سوريا تواجه المؤامرات الدولية وحدها، والأسوأ رفض عودتها من أيام للجامعة مع أن الأمم المتحدة لا تزال تحتفظ وتعترف بالنظام السورى الحاكم؟!

ماذا قدمت الجامعة العربية طوال النصف قرن؟! 

حتى في عام 1970 عندما حدثت مذبحة "أيلول الأسود" لم تفعل شيئا، وتدخلت مصر بقيادة جمال عبدالناصر وتم إيقاف المذبحة، وكان هذا آخر عمل له ومات بعد أن ودع في المطار آخر حاكم عربى وكان أمير الكويت!.. اختيار بلا مبرر وبلا رؤية تفتقد الحد الأدنى للوعى.

أين الأهم من هذا أن مئوية ثورة 1919، وهى مناسبة لن تتكرر على مدى التاريخ، الحالة المصرية بعد 25 يناير و30 يونيو والمستقبل الذي نحلم به، كنت أتصور أن أهم عناصر فعاليات المعرض هو إعادة الرؤية إلى الشعب المصرى في 1919 وتأثيراتها على انتفاضات لم تلق اهتماما مستحقا، كانتفاضة 1936، وانتفاضة 1946، وانتفاضة 1968، وانتفاضة 1977، وصولا إلى 25 يناير و30 يونيو، الهدف ليس سرد حكايات للتسلية ولكن هو تقديم دراسات وعبر نتعلم منها.

التاريخ هو علم المستقبل، من لا يتعلم من تاريخه لا مستقبل له، كان يمكن أن تكون مصر في نصف قرن محورا مهما في المعرض وخاصة أن هذه الفترة ستتعرض لكل من حكم مصر من عبدالناصر إلى السيسي مرورا بالسادات ومبارك وحتى فترات الريبة التي حكم فيها المجلس العسكري والإخوان المجرمين وعدلى منصور.

وللعلم ربما لا يكون واضحا لدى البعض، عندما يكون العنوان "مصر في نصف قرن" فإنها يحمل جميع عناصر الحياة الاجتماعية والثقافية والأمنية، أي سيتطرق إلى كافة مناحى الحياة في مصر خلال نصف قرن، للأسف الشديد أن وزارة الثقافة ويمثلها أولا الهيئة العامة للكتاب المسئول الأول عن معرض الكتاب ليس لديهم رؤية لإنجاز عمل محترم جدير باسم مصر وعراقتها، وأيضا بتاريخ معرض الكتاب الذي كان يقدم فعاليات على أعلى مستوى من الحوار والاختلاف الرائع بين الأفكار..

كان د.فؤاد زكريا وهيكل وجلال أمين وفرج فودة وأيضا محمد الغزالى ومحمد عمارة والهضيبى، وإذا كان البعض يرى أن اغتيال فرج فودة كان بسبب ندوته في معرض في مواجهة الغزالى وغيره، فإن هذا له إيجابية كبرى وهو الكشف عن كارثة في المجتمع ولا أحد يدركها أو يتصدى لها، أما الآن فقد تركت الهيئة الأمر لعدد من الموظفين لترتيب الفعاليات، فأصبح صاحب الكتاب هو من يتفق مع من يناقشه ومن سيدير الندوة..

وحتى الكتب فكان منها من صدر من سنوات ولا قيمة لها، ومنهم للاصدقاء والمعارف وشلل تحتكر أنشطة المعرض من سنوات، هناك كتب طبع منها خمسون نسخة ويتم مناقشتها في المعرض، هناك.. وهناك... وهناك.. وهناك كتب يحاول أصحابها العودة للأضواء بأى وسيلة حتى بالكذب، مثل صلاح منتصر، الذي وضع عبد الناصر في مكانة مقدسة وكان من حاشية السادات ورجال مبارك ومؤيدا للمجلس العسكري والإخوان ويدعو اليوم للسيسي..

ولا ندرى هل الهيئة هي التي اختارت الكتاب أم فرض عليها أم أن الأمر لا يعنيها!؟ وهذا يجعلنى أتساءل إلى متى يدار المعرض بنفس الشللية وانعدام الرؤية الحقيقية والوعى بمصلحة الوطن؟!

ولا غرابة في ذلك عندما يكون على رأس الهيئة المسئولة عن المعرض من سئل عن وجود كتب الإخوان في المعرض منذ عامين فقال: إننا مع حرية الفكر!

وهذا يجعلنى أسأل هل الدولة تعى دور الثقافة وأنها فعلا أحد عناصر التغيير المهمة في المجتمع؟!.. لا أعتقد مطلقا فبناء مبان وقاعات على أحدث ما وصل إليه العلم لا يعنى مطلقا أننا تقدمنا.. 

وتحيا مصر بنقاء فقرائها وبسطائها الغلابة!
الجريدة الرسمية