اللي حصل من 8 سنين
لم نعتذر عنها، ولن نفعل، كانت ثورة وكنا ثوارها، وكُتبت الحكاية وسرد التاريخ. لكل جيل حظه، وحظنا 25 يناير فاظفر بالـ18 يوما تَربت يداك.
هوجة أم ثورة، عاش "محمود عبد الظاهر" في رواية "واحة الغروب" مأزوما بسبب كلمة خرجت منه جبرًا، اعترف بأنها هوجة فطاردته اللعنات، تمنى فقط لو قال ثورة، كيف أقنع هؤلاء أنني أنا بالذات لم أخن!
لم تنته الازدواجية طوال التاريخ، واجهت ثورة 1919 نفس السؤال: هل مؤامرة لتقنين الاحتلال أم ثورة من أجل الدستور؟ وكان ما نُسميهم أعلام الفكر الآن أصحاب نظرية المؤامرة! وفي 1977 برز السؤال بشكل آخر، هل مطالب مشروعة للشعب أم انتفاضة حرامية؟ كان لدينا رئيس «يشتم» المتظاهرين دون أدنى قلق!
يعيد التاريخ نفسه فيسألونا ثورة أم مؤامرة، على الأقل لم نخن حتى الآن، لم نقل هوجة وذلك أضعف الإيمان. لم تكن 25 يناير سوى حلقة حتمية من حلقات تاريخ ولم تكن خيانتها سوى حلقة حتمية أخرى! تشويه مفهوم الثورة أصلًا بات حاضرًا باعتبارها عملا مخربا ومؤامرات دول، وقلة مندسة ما تقوم به وذلك مفهوم ومتوقع في سياق من يكتبون هذا الحديث. ما حدث منذ 8 سنوات أن ديكتاتورًا سقط، هكذا الأمر بدون أي رتوش.
دستوريًّا هي ثورة، وقانونيًّا هو رئيس حرامي سرق من قوت هذا الشعب، وأولاده مُتهمون في قضايا أخرى، ذلك لأننا استثنينا القضايا السياسية التي تذهب به إلى حبل الإعدام مصحوبًا باللعنات. ما حدث أن جيلًا طمح إلى التغيير بعد 30 عاما من وجوه شاخت على كراسيها، لم يكن في ذلك أي عيب، كانت المطالب مشروعة والأحلام كبيرة والمشاركين كُثر.
لم نكتف الحديث، تناثرت الدماء وسقط الشهداء وواجهنا عصا الأمن المركزي، ورددنا وراء كل شهيد أننا وراءه، لم نيأس إلا حين رأينا بيع أجسادنا علنًا وانفضاض الجمع من حولنا فأرهقنا المسير، لم نكن نظن أننا سنسير وحدنا، في كل أحداث التاريخ هناك من يقودون ومن يكملون، لدينا من قاد ولم يكن لدينا من يستمر!
مشكلتنا لم تكن أن بيننا فاسدا وطامحا وطامعا، لكن مشكلتهم كان كيف تجمع كل هؤلاء، مشكلتنا لم تكن عدم وجود قيادة تفاوض وتنجح وتقود، لكن مشكلتهم كيف جرأوا، مشكلتنا لم تكن عدم وجود خطة للمستقبل، كان إزاحة الديكتاتور أقوى وأسمى من أي شيء، ومشكلتنا لم تكن سذاجة الطرح، كان حق الكلام هو المطلوب، لا أحد يتعلم من أخطائه بدون أن يتحدث، الصدور المكتومة لا تعرف أين طريقها الصحيح، كان الحديث بداية الطريق لولا أنهم تعجلوا.
لم تكن الثورة تحتاج سوى حضّانة لتكتمل فيها، ولم نكن نريد سوى وقت! كل الثورات تخضع لمراحل انتقالية ذلك لا يعيبها ولا يُخرجها من سياق التاريخ. ما حدث من 8 سنين يُرعب أي دولة وأي حاكم وأي قوة وهذا مفهوم، لكن لا أحد يعيب على الشعب قوته ومطالبته بالحياة الكريمة.
تدهور البلاد نتيجة نظام هش، ووقاحة ما يحدث بعد الثورة لا ينفي أن ما قبل الثورة كان وقحًا أيضًا، لو كرر 100 مليون شخص مقولة غبية ستظل مقولة غبية ولن تُقلب الحقائق. لم نعش مأزومين على الأقل داخليًا، نعرف أننا قمنا بعمل يستحق أن نحيا من أجله، لم يكن لدينا الحظ أن نفرح بما قمنا به، نُعاقب بسببها، نُسحق يوميًا أمام قطار لقمة العيش، لكننا لم نكرهها، لم نقل ولا يوم من أيامك يا مبارك..
النهر جرى ولا يمكن أن يعود للوراء، سنعيش بها ولها وبيوم داست أقدامنا الميدان وأحببنا الوطن ورددنا أغاني الشيخ إمام ومصطفى سعيد، وانتمينا إلى الذي يشبهنا، كان نصيبنا أياما معدودات لكنها تستحق أن تروى، هذا ما حدث.