حملة «إحنا معاك».. تكافل وكرامة وعدالة اجتماعية
(مافيش حد في مصر بيبات من غير عشا) جملة شهيرة كنا نسمعها من آبائنا وأجدادنا.. جملة كانت تضفى على المجتمع المصرى دفئا وتكافلا يطمئنان الجميع، فمهما كنت فقيرا ولا تجد قوت يومك ستجد دوما من يدق بابك ليعطيك ما يسد رمقك حتى لا تبات من غير عشا.. كان ذلك في الماضى ربما عندما كنا أقل في عدد السكان.. أو ربما عندما كان الجنيه يجيب وجبة بحالها..
أما اليوم فالحال تغير ووصل تعداد مصر لما يزيد على مائة مليون مواطن، وتحولت جملتنا السابقة إلى ضرب من الخيال، وأصبح الكثير من المصريين "بيباتوا من غير عشا" عادى، ولم يعد أحد يدق عليهم الباب ولا حتى يعدى بالصدفة..
وفى وسط هذه الظلمة التي يشعر بها من هم تحت حد الفقر وهم كثر.. في أشد أوقات مصر تحديا في كل المجالات فنحن نسابق الزمن لإنجاز الكثير في شتى المجالات، وهو النهج الذي تسير على دربه القيادة السياسية حتى نتجاوز العقبات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تكدست طوال ستين عاما..
وإذا بيد تمتد في أشد أيام الشتاء برودة -الذي تعيشه مصر منذ عدة سنوات– وتنطلق حملة (إحنا معاك)، هذه الحملة التي أراها بكل المقاييس حملة مملوءة بالرحمة التي عهدناها في نفوس المصريين.
أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعى بتوجيهات من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المشردين في شوارع مصر في جميع المحافظات، لتلتقط الأطفال الذين لا يجدون سوى تحت الكبارى مأوى لهم، يلتحفون ملابسهم المهلهلة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع وتلتهم البرودة أجسادهم الصغيرة.
مئات الحالات تم إنقاذها من براثن برودة الجو القارصة بأعطائهم الأغطية الكافية، وتقديم الوجبات الساخنة، ونقلت من أراد منهم إلى دور رعاية.. تابعت كغيرى من الجماهير التغطية الإعلامية لهذه الحملة الجليلة وكم شعرت أن مصر ما زالت بخير وأن الأمل موجود طالما كان هناك إرادة..
وكم أعجبنى طريقة أداء أعضاء الحملة، والمكونة من أخصائى نفسى، وطبيب للطوارئ للتدخل لإسعاف أي حالة تحتاج إلى علاج سريع، بالإضافة إلى مشرفة اجتماعية، وتواصلهم الرحيم وتدريبهم على كيفية التعامل مع نفوس مشردة عانت الكثير، ولكل من هؤلاء قصة مأساوية جعلته يفترش الرصيف ويصبح الشارع بيته الذي يلوذ به..
ولكن استوقفتى ملاحظة مهمة وهى رفض بعض المشردين الانتقال إلى دور للرعاية وتوفير مسكن آمن، والتمسك بالرصيف والشارع ملاذ لهم، هؤلاء تم محايلتهم من قبل الحملة وأعضائها..
وفى النهاية اكتفت الحملة بتقديم الدعم المعنوى عن طريق الحديث معهم ومعرفة أسباب اختيارهم للشارع مكان للإقامة، بالإضافة إلى الدعم المادى عن طريق تقديم وجبات ساخنة وأغطية وملابس نظيفة.. ويبقى السؤال الذي يشغلنى، لماذا يحجم هؤلاء المشردين عن ترك الشارع؟!
هل لخوفهم من الإقامة في مكان جديد ربما لا يجدوا راحتهم وحريتهم فيه؟ أم أنهم أصبحوا جزءا من المكان الذي شهد أيام وليالى عذابهم؟! أو ربما يخشون من مصدر رزق سهل يأتيهم من مساعدات المارة في كل يوم؟! أسئلة كثيرة ما زالت تحتاج إلى إجابة..
وتبقى لمسة الرحمة التي تركتها حملة (إحنا معاك) في نفوس هؤلاء البسطاء على مر الأيام واستمرارها هو قمة التكافل المجتمعى الذي تسعى القيادة السياسية لترسيخه، فهنيئا لكل من مسح دمعة حزين وسد جوع كل محتاج وستر جسد كل عارى.. هذه هي مصر اليوم.