أسباب الصراع الفرنسي الإيطالي على ليبيا
حرب تصريحات اشتعلت بين فرنسا وإيطاليا، تلقى بظلالها في بلاد عمر المختار، الذي استشهد من أجل التحرر من الاستعمار الإيطالي ليسقط أحفاده في براثن صراع المصالح بين الدولتين الاستعمارتين، يعمقها الخلاف الليبي الليبي.
حرب تصريحات
خرج نائب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو سالفيني، أول أمس الثلاثاء، متهما فرنسا بأنها لا ترغب في تهدئة الأوضاع في ليبيا التي يمزقها العنف بسبب مصالحها في قطاع الطاقة.
وقال سالفيني للقناة التليفزيونية الخامسة "في ليبيا: فرنسا لا ترغب في استقرار الوضع ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا".
فيما ردا على التصريحات الأخيرة لمسئولين ووزراء إيطاليين، قالت ناتالي لوازو الوزيرة الفرنسية المكلفة بالشئون الأوروبية الأربعاء: إن "فرنسا لن تشارك في مسابقة الأكثر غباء".
كما وصف مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التصريحات الإيطالية بـ"سخيفة".
ثنائية بنغازي وطرابلس
المصارع الفرنسي الإيطالي، ينعكس في استغلال صراع الفرقاء في ليبيا، بين بنغازي والتي تتمثل في قوة الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، والسواد الأكبر من البرلمان الليبي السلطة التشريعية في البلاد، وهي التي تحظى بدعم كبير من قبل فرنسا.
والجانب الآخر طرابلس والتي تسيطر عليها الميليشيات جماعة الإخوان، وكذلك حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، المعترف بها دوليا.
كذلك تشكل دول الجوار دورا كبيرا في عملية الصراع حيث تتواجد فرنسا عسكريا في تشاد والنيجر على الحدود الجنوبية لليبيا وهو ما يساعد من حضور فرنسا في ليبيا بعكس إيطاليا التي تعتمد على تاريخها القديم باعتبار ليبيا دولة كانت واقعة تحت الاستعمار الإيطالي وكذلك تشابك علاقتها مع القوى الموجودة في طرابلس، كما عملت مؤخرا على فتح أبوابها لقائد الجيش الليبي في محاولة لنزع أي تأثير فرنسي في ليبيا.
إيطاليا والإخوان
يرى مراقبون أن إيطاليا رغم استقبال رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي، بقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، في نوفمبر، إلا أن روما ما زالت تميل إلى قوت طرابلس والتي تسيطر عليها ميليشيات الإخوان الإرهابية، في مواجهة بنغازي والتي يمثلها الجيش الليبي وجزء واسع من أعضاء البرلمان الليبي.
وقال عبد القادر قدورة، العضو السابق في الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، وأستاذ القانون الدستوري بجامعة بنغازي، لصحيفة "تريبون دو جنيف" السويسرية: "يريد الإيطاليون أن يستلم الإخوان السلطة، إنهم يعرفون أن انتخابات يتم إجراؤها في الوقت الحاضر لن تكون لفائدتهم، ولهذا السبب يقومون بفعل كل شيء لتأخيرها".
فرنسا والجيش الليبي
فيما تذهب تعمق باريس علاقتها مع بنغازي وقائد الجيش الليبي، وأنها لن تقفل أبوابها أمام طرابلس ولكن تعمل بكل القوى لتواجد والتأثير في خريطة الصراع الليبية والسيطرة على أدوات النفوذ داخل ليبيا، وبات ذلك واضحا مع عقدها مؤتمر دولي حول ليبيا في مايو 2018 وشاركت فيه نحو 20 دولة وكذلك 4 منظمات دولية منها الجامعة العربية، بهدف وضع خارطة طريق مشتركة ترمي إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلاد وهي تقريبا نفس التوجه الذي ذهب إليه مؤتمر باليرمو الإيطالي في نوفمبر 2018 والذي كان ردا من حكومة كونتي على مؤتمر باريس.
كما عملت فرنسا على ترميم علاقته بكل من تونس والجزائر بالإضافة إلى حضورها جنوبا في تشاد والنيجر من أجل إحكام السيطرة على ليبيا، الغنية بالنفط.
المصالح الاقتصادية
ويتشكل الاقتصاد لب الصراع بين فرنسا وإيطاليا، حيث قدر اتحاد أرباب العمل الفرنسي "ميداف" في سبتمبر 2011 بعد أشهر قليلة على سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، تكلفة إعادة بناء ليبيا بنحو 200 مليار دولار على الأقل على مدى عشر سنوات.
وأعرب الاتحاد -الذي يمثل مصالح كبرى الشركات الفرنسية في الخارج- عن الأمل في أن يكون لفرنسا التي لعبت دورا في دعم (الثوار الليبيين) نصيب كبير في الاستثمارات بليبيا، وهو ما يسعى فريق إدارة ماكرون إلى تحقيقه فعليا.
وصرّح وزير التجارة الفرنسي الأسبق بيير لولوش أن الشركات الفرنسية تضع مع الحكام الجدد في ليبيا التفاصيل بشأن الدور الذي يمكن أن تؤديه في إعمار البلاد، والتقى مسئولو نحو 80 شركة فرنسية من بينها "توتال" النفطية الكبرى وصناعة الأسمنت "لافارج" والمجموعة الهندسية "ألستوم" مع وزراء ومسئولين ومديري شركات ليبيين خلال زيارة لطرابلس.
مع بداية العام 2017 وقعت شركة "توتال" الفرنسية ثلاثة عقود جديدة على الأقل، وضخ استثمارات بقيمة 450 مليون دولار في الحقول الليبية.
كما وقعت شركة الخدمات النفطية الفرنسية "تكنيب" في 2016 اتفاقا بقيمة 500 مليون دولار مع "كونسورتيوم" يضم المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وشركة "إيني" الإيطالية للنفط والغاز لتجديد منصة نفطية بحرية.
كما تسعى فرنسا للحصول على حصتها على نصيبها في قطاعات الإسكان والكهرباء والحديد والصلب والأسمنت والصناعات المختلفة والاتصالات والمواصلات وغيرها من القطاعات التي تحتاج إلى إعادة بناء في ليبيا بعد سنوات من الصراع.
المصالح الإيطالية
ولإيطاليا مصالح كبيرة في ليبيا، ويأتي على رأسها مجال النفط حيث تسيطر شركة "إيني" على أغلب حقول النفط في برقة وفزان.
كما تستورد روما 48٪ من استهلاكها من النفط من ليبيا، وأكثر من 40 % من الغاز الطبيعي، بحسب تقارير صحيفة "ليندرو" الإيطالية.
كما تشكل ليبيا سوقا واسعا للمنتجات الإيطالية حيث تصدر رونا منتجات النفطية والآلات والمواد الغذائية المحفوظة (الفواكه والخضراوات)، وكذلك شركات إيطالية لها مصالح في مجال البنى التحتية.