رئيس التحرير
عصام كامل

على أطلال ماسبيرو


ليست صدفة أن تكون قناة "ماسبيرو زمان" هي الأشهر والأكثر مشاهدة ومتابعة في كل قنوات ماسبيرو، لكي تذكر كل القائمين على هذا الصرح العملاق بفشلهم في ابتداع حلول لتلال المشكلات التي تراكمت بفعل عقلية الموظفين حين يديرون مصنعا للثقافة والوعي والإبداع، ويبدو المشهد حول وخارج قلعة ماسبيرو معبرا بدقة عن الواقع بداخله، حيث الهدم وبقايا ما سمي بـ"مثلث ماسبيرو" كأطلال لا تزال بعضها شاهدا على الصخب والحيوية والحركة الدؤوبة من الإبداع والفن والموسيقى والبرامج والدراما وعمالقة الوعي والثقافة المصرية يدخلون ويخرجون يوميا..


هذه القلعة الشاهدة على مصر عبر أكثر من نصف قرن، وكان الظن أن كل شيء قابل للهدم والخراب والتجريف إلا ماسبيرو بتاريخه الذي لا يزال يداعب رومانسية جيل الستينيات والسبعينيات، من بابا شارو لأبلة فضيلة، للغلط فين لأوائل الطلبة، لحفلة الست في الخميس الأول من كل شهر، للقاهرة والنَّاس، والدوامة من بقايا شلة مبدعي الثورة حليم وجاهين والطويل والموجي، لنادي السينما من إخلاص عبد القادر حاتم لولاء صفوت الشريف، للمرور العابر لأنس الفقي وصلاح عبد المقصود لدرية شرف الدين، ومن عدة مئات عند افتتاحه في يوليو عام ١٩٦٠ إلى أكثر من ٣٠ ألف موظف الآن..

من زيارات ناصر والسادات ومبارك، من بيان السادس من أكتوبر لبيان تنحي مبارك، من خطاب التنحي وبيانات أحمد سعيد لحصار ماسبيرو في أحداث يناير، من حائط صد وشعلة معرفة إلى شاشة مهتزة مسلطة على النيل بينما مصر تغلي في ميدان التحرير، من مذيعين عملاقة كأحمد سمير وفاروق شوشة وطاهر أبو زيد ومحمد محمود شعبان وسلوى حجازي وسلمى الشماع إلى مجموعة من الموظفين وربات البيوت اللائي دخلن المبنى بالصدفة، وظهرن على الشاشة بالواسطة..

وبغض النظر عما آل إليه حال ماسبيرو، فإن في ذاكرة كل مبدع حكاية وموقف مع وفِي ماسبيرو، ويوما ما كانت شاشاته هي الأغلى، ويتسابق الكل للظهور عليها، بل وكانوا يدفعون الرشاوي والتي أصبحت ظاهرة، وكان نجوم الدراما يحتفلون إذا عرضت أعمالهم على شاشات ماسبيرو، وكانوا يبحثون عن أكبر الرءوس في البلد ليزكوا بث أعمالهم..

الآن تبدل الحال وأصبحت شاشات ماسبيرو هي الأرخص، ويرفض النجوم أن تكون هي شاشات العرض الأول، وذلك طبعا بعد القضاء على قطاع الإنتاج الذي شكل وجدان الأمة، بإبداعات الكبار أمثال أسامة أنور عكاشة، وإسماعيل عبد الحافظ، وأحمد زكي، وسعاد حسني، وسناء البيسي، وصلاح جاهين، وبليغ، والأبنودي، ومحمود عبد العزيز، وفؤاد المهندس، وعبد المنعم إبراهيم، ومحمد صبحي، ويحي الفخراني.

وظل أرشيف ماسبيرو شاهدا على تاريخ هذه الأمة حتى ذهب هو الآخر مع رياح الهجرة والقنوات الخليجية، وبدلا من محاسبة البائعين والسماسرة على العكس بدأ تكريمهم ببرامج وإعلانات، وصارت بعضهم أيقونات للقنوات التي تقف خلفها الدولة، وباختصار صارت أحوال ماسبيرو الآن تستحق البكاء على حد وصف النائب "جلال عوارة"، وخاصة بعد الخسارة الفادحة للهيئة الوطنية للإعلام في الحسابات الختامية في يونيو الماضي، والتي وصلت إلى ٦،٢ مليار جنيه..

وهي خسارة فادحة لم تحدث من قبل، وبذلك تصل مديونية ماسبيرو لأكثر من ٤٢ مليار جنيه، أي أكبر من دعم كل السلع التموينية، والكارثة أن هناك خمس شركات تتبع الهيئة الوطنية للإعلام، هي النايل سات، ومدينة الإنتاج الإعلامي، وشركة ووكالة صوت القاهرة، وشركة cane، وشركة راديو النيل التي تم استحداثها.

مع هذا هناك تراكم للخسائر، والسبب أن من يديرون تلك الشركات المهمة ليسوا متخصصين أو مؤهلين في إدارة مثل تلك الشركات المتخصصة، ورغم أن هناك حلولا كثيرة تعتمد على أبناء ماسبيرو المؤهلين والمتخصصين الذين أقاموا كل الصروح الإعلامية في المنطقة غير أن النية فيما يبدو هو الاتجاه لهدم ماسبيرو، للاستفادة من ١٢ ألف متر من أغلى الأراضي التي تقع على أهم مكان على ضفاف النيل، لأن ذلك هو الحل السهل كالعادة.
الجريدة الرسمية