أول الغيث من وزير الأوقاف.. الفهم المقاصدي للسنة!
أصدر قبل أيام للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف كتابا بعنوان "الفهم المقاصدي للسنة النبوية"، يقدم رؤية مستنيرة عصرية للسنة الشريفة، يعيد فيها تعريف السنة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع، ولكنه يحسم الجدل حولها على أكثر من صعيد.. فيرى السنة شارحة للقرآن ومفسره له، والأهم قوله: "أن الإقدام على التجديد فهم وعرض القضايا الفقهية والنظر في المستجدات العصرية يحتاج إلى "فهم عميق" و"شجاعة وجرأة محسوبة""..
ويصف من يفعل ذلك بأنه "يحتاج إلى إخلاص النية"، و"تحمل النقد والسهام اللاذعة ممن أغلقوا باب الاجتهاد"، و"ممن أغلقوا باب الاجتهاد وأقسموا جهد أيمانهم أن الأمة لم ولن تلد مجتهدا بعد"!.
إذن يتناول الدكتور جمعة قضية التجديد، وهو يدرك حجم ما قد يتعرض له وهو وزير الأوقاف من نقد وهجوم، لكنه يصف هؤلاء "أنهم متناسين متجاهلين أن الله عز وجل لم يخص بالعلم ولا بالفقه قوما دون قوم، أو زمانا دون زمان، وأن الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة"!
الدكتور جمعة يحصر الثوابت التي ليست محل تجديد ولا نظر من الأساس كالصلوات والزكاة وغيرها، ويؤكد إيمانه أن هناك فتاوى ناسبت عصرها، أو ما كان راجحا وقتها وفق المصلحة في عصرها مستشهدا بكلام عدد من الأئمة الكبار، كالقرافي والسيوطي والغزالي والأوزاعي، الذي يعلق على كلامه عن الغلو والتقصير بقوله: "نحن مع التيسير لا مع التعسير، ولا التسيب، ومع السماحة لا التفريط، ومع الالتزام الديني والقيمي والأخلاقي دون أي تشدد أو تطرف أو جمود أو إغلاق".
الوزير يؤكد في كتابه الطيب أن التجديد الذي نسعى إليه يجب أن ينضبط بميزاني "الشرع والعقل"، ليؤكد انحيازه لمدرسة العقل في فهم الإسلام دون تصادم مع التراث.. وهي المدرسة على خط مستقيم منذ تأسيس المذهب الحنفي مرورا برموز التجديد في عصرنا الحديث الإمامين محمد عبده ومحمود شلتوت.. ثم يذكر مبادئ وضوابط وقواعد في الفقه والشريعة.
الكتاب يفرق بين سنن العبادات وما يقع تحت نطاق العادات، ويختار عدة أمثلة من السنة، ويقدم رؤيته المعاصرة لها مقارنا بين فهمين أحدهما موروث والآخر تجديدي، كأحاديث السواك ونظافة الفراش والصدقة والأضحية والقيام وغيرها، مؤكدا أن هناك أحاديث لها أحكامها الوقتية وفقا للظرف التي قيلت فيه، وعلينا فهم الحكمة منها، وليس نصها حرفيا!
الكتاب بسيط وقيم وأجمل ما فيه -كما نرى- أنه تلبية لنداء مجتمعي جار، وبما يعد احتراما لحوار يجري في بلادنا منذ فترة يعكس رغبة عارمة في تجديد الخطاب، وتقديم فقه جديد وهي دعوة قديمة جديدة.. إلا أن الحوار الجاري وجد أخيرا من يحترمه ويهتم به ويقدره ولو بكتاب بسيط ومحترم، له كل التحية عليه، ولكن كل الأمل أن لا يكون الكتاب الأخير، وكذلك أن يصل الكتاب إلى أكبر عدد من الناس، وأن يعرضه الزملاء الصحفيين ويتناوله الإعلاميين!