رئيس التحرير
عصام كامل

الإسلام الموازي


عطفًا على ما ذكرتُه في مقال الإثنين الماضى المُعنون بـ "حديث خُرافة"، بشأن الأحاديث الموضوعة التي يُرددُها الخُطباءُ والوعَّاظ.
 

على نطاق واسع من فوق منابر المساجد، حتى صارتْ تُجسِّدُ دينًا جديدًا، قد يكونُ مُنقطع الصلة عن جوهر الإسلام الحقيقى، فإن هناك أحاديثَ أخرى منسوبة زورًا للنبى الكريم ويرددها العوامُ والخواصُّ، ظنًا من عند أنفسهم أنها صحيحةٌ وصادقةٌ، ولكنها دونَ ذلك، نعرضُ جانبًا منها في هذا المقال:

"الناس نيامٌ فإذا ماتوا انتبهوا".. قولٌ آخرُ يترددُ على ألسنة المشايخ المُعممين وغيرهم باعتباره حديثًا صحيحًا، رغم أنه لا أصلَ لها بحسب ما ورد في "تذكرة الموضوعات"، وهو ما ينطبق أيضًا على حديث: "التائبُ حبيبُ الله"، حيث أكد الإمامُ "السُّبكى" -رحمه الله- أنه من الأحاديث التي لا أصلَ لها!!

"تزوجوا ولا تُطلقوا، فإنَّ الطلاقَ يهتزُّ له العرشُ".. ليس حديثًا صحيحًا، بل أورده علماءُ الحديث ضمن "الموضوعات"، وهو ما ينطبق أيضًا على: "أبغضُ الحلال عندَ الله الطلاقُ"، فهو قولٌ مكذوبٌ مُنقطعُ الصلة بالنبى الكريم.

من المؤكد أنك سمعتَ أحدَهم يومًا يرددُ في حماسة: "السخيُّ قريبٌ من الله، قريبٌ من الجنة، قريبٌ من الناس، بعيدٌ من النار، والبخيلُ بعيدٌ من الله، بعيدٌ من الجنة، بعيدٌ من الناس، قريبٌ من النار، وجاهلٌ سخيٌّ أحبُّ إلى الله من عابدٍ بخيلٍ"، علمًا بأن مشاهيرَ علماء الحديث أدرجوه ضمن السلسلة الضعيفة التي لا أصلَ لها. الحُكمُ ذاته ينطبقُ على الحديثِ المكذوب: "أنا عربيٌّ والقرآنُ عربيٌّ ولسانُ أهل الجنةٍ عربيٌ"، فهو لا أصل له، بحسب ما ورد في: "تذكرة الموضوعات" و"المقاصد الحسنة" و"تنزيه الشريعة" وغيرهما من كتب الحديث.

ربما سمعتَ أحدَهم يقولُ في ثقةٍ مُفرطةٍ: "إنَّ لكل شيء قلبًا، وإنَّ قلبَ القرآن يس، من قرأها، فكأنما قرأ القرآنَ عشرَ مرات"، للتدليل على فضل سورة دونَ أخرى، فإذا كرَّرها مرة ثانية أمامك، فلتنصحه بالعودة لكتاب "العلل" لـ "ابن حاتم"، الذي أورده ضمن الموضوعات. وعلى ذِكر سورة "يس"، فلا تصدقْ أن لفظتى: "يس" و"طه" من أسماء النبى الكريم، كما يرددُ وعاظُ المساجد، أو كما نُسمِّى أبناءنا، فتلك حروفٌ مُقطعة، لا معنى لها، ولا علاقة لها بأسماء أو أوصافِ خاتم المُرسلين.

من المرويات الشهيرة التي تتهافتُ على أسماعنا، لا سيَّما في بدايات شهر رمضان: "صُوموا تصحِّوا"، فهو ضعيفٌ كما جاء في "تخريج الأحياء"، وهو ما يقطعُ الطريق على بعض السُّفهاء الذين يطعنون على الإسلام من خلال هذا القول المكذوب، وهو ما ينطبق أيضًا على القول المشهور: "الحجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ في الأرض يصافح بها عباده"، فهو حديثٌ مكذوبٌ كما جاء في "العلل المُتناهية".

وإذا نَسبَ أحدُهم إلى النبىِّ الكريم: "أوصاني جبرائيلُ عليه السلامُ بالجار إلى أربعين دارًا، عشرةٌ من ها هنا، وعشرةٌ من ها هنا، وعشرةٌ من ها هنا، وعشرةٌ من ها هنا"، فقلْ له في لُطفٍ: لا شكَّ في أن الإسلام أوصانا بالإحسان إلى الجار، ولكنَّ هذا القولَ مكذوبٌ ولم يقلْه النبىُّ الكريمُ، بحسب ما ورد في "كشف الخفاء" و"تخريج الإحياء" وغيرهما..

وأخيرًا فإنى أعتقد أن وزارة الدكتور محمد مختار جمعة لو كانت جادة فيما تسميه تجديد الخطاب الدينى، لعمَّمتْ على وعَّاظِها نشرة بالأحاديث الموضوعة والأقوال المكذوبة والمنسوبة زورًا للنبى الكريم، حتى يتجنَبوها في خُطبهم وعظاتهم الباهتةِ والجوفاءِ، فهذا أولى مما يُسميه الوزير بـ "الخطبة المُوحَّدة" التي أجمع القاصى والدانى على عدم جدواها، سواءٌ ألقاها هو بنفسه، أو ألقاها مُستخدموه في عموم المساجد والزوايا..
الجريدة الرسمية