صديقي السلفي عدو العلمانية !
كتب صديق لي، كان سلفيا حركيا بإحدى الجماعات الدينية الجهادية، ولكنه تركها وتمرد على أفكارها، منشورا طويلا على حسابه بفيس بوك، يتحدث فيه عن العلمانية، وفي مجمل ما كتبه، عرّفها كما يراها أغلب الإسلاميين، أنها تريد تطبيق منهجها بالكامل في طريق معاكس للدين، وقال إنها تفصل الإنسان عن الغيبيات وتجعل منها خرافات وأساطيل!
طرح الصديق سؤالا عن العلمانية وهل هي حركة سياسية أم منظومة تعليمية ــــ بنص تعبيره ــــ وتبع حديثه بشرح لسؤاله، يكشف فيه هل العلمانية حركة سياسية تريد أن تخضع الناس ونظام الدولة لمنهجها وفرضه بما أعطيت من قوة ونفوذ، أم هي مجرد منظومة تعليمية هدفها الوصول إلى حقيقة الكون وطبيعة الحياة عن طريق العقل وفقط وتريد من ذلك إنشاء مجتمع عقلاني متجرد!
منشور طويل، أنهى فيه مكنون فكر الكثير من السلف تحديدًا عن الفكر الحداثي؛ فالعلمانيون من وجهة نظرهم يتظاهرون أنهم يؤمنون بحرية الرأي والتعبير، ومع ذلك يشنون حرًبا شعواء على أي شاب مسلم يطلق لحيته أو يقصر ثوبه وأي فتاة مسلمة ترتدي الحجاب، وفي الوقت ذاته يرحبون بالشاب والفتاة الذين يتمردون على تقاليد المجتمع وتعاليم دينه.
الحوار المطول عن العلمانية من رجل له باع في الفكر الديني، أثار لدى فضول المعرفة، وسألته بما لدى من رصيد عنده أحرص عليه دائما عند جميع من أعرفهم حتى لو جمعتني بهم علاقة إنسانية عابرة، وحاولت فهم لمن يقرأ في مثل هذه القضايا، التي يكون آراء غريبة عنها، بالنسبة لي على الأقل.
لم أصدم من جوابه، أنه يغذي أفكاره عنها، من خلال متابعة الكتاب والصحفيين، وبالطبع لأنه مُقيد بالنقل عن الشرع بحسب الطريقة التي ينظر بها إلى الدين وفروعه، وشروح المشايخ الذين يثق بهم، لم يقرأ عن العلمانية، وفلسفاتها كما عُرفت بها، وليس كما يريد هو أن يفهمها، أو كما قدمت إليه !
تخبرنا شروح المغالطات المنطقية، وخاصة مغالطة «رسوخ الاعتقاد» كيف تفرض المعلومات الأولى التي يتلقاها البعض، سطوتها ويحفظونها عن ظهر قلب، وتخلق لديهم إيمانا لا يمكن زعزعته، مهما كانت الأدلة على عدم صحة تلك المعلومات التي تركزت في الأذهان، فيصبح المعتقد الأول راسخًا، غير قابل للتغيير.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن تغيير مغالطة كهذه؟ أو بالتبسيط، هل يمكن تغيير قناعات ترسخت على هذا النحو؟.. العلم يقول نعم، والدراسات المنشورة حول كيفية التعامل مع هذه المغالطات، تحذرنا من مطالبة الأخر بأي شكل بالانتصار للمنطقية والموضوعية في طرح الرأي، أو حتى عرض الأدلة على أمل التعامل معها دون انحياز مسبق.
وتخبرنا في المقابل بتذكير صاحب المغالطة بضرورة النظر بعين الاعتبار للرأي الآخر المناقض، وأن يطرح حلولا مختلفة، وتذكر الدراسات أن التجارب تؤكد أن هذه الطريقة تخفض مستوى الانحياز، وتدفع صاحبه لاكتشاف طرق جديدة في التفكير وربما الحياة بأكملها.. هل حدث ذلك معي، للأسف لا.. ولكن أتمنى !