ميلاد زعيم عربي جديد!
تمر علينا اليوم ذكرى ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر، ذلك القائد الاستثنائي في تاريخ وحياة المصريين والأمة العربية، وفى هذه المناسبة تجد نفسك في حيرة عن ماذا تكتب؟ فقد كتبنا مرارا وتكرارا وكتب كثيرون غيرنا عن سيرة الزعيم ومشواره منذ الطفولة وحتى يوم رحيله في ليلة الإسراء والمعراج في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970، وملئت الكثير من الصفحات والمجلدات حول تجربته الرائدة ومشروعه الوطنى والقومى، وانتصاراته وانكساراته.
وعلى مدار ما يقرب من نصف قرن منذ رحيله وهو حاضرا في تاريخ بلده وأمته والعالم، وتدور حوله السجالات سواء بين محبيه أو أعدائه من شهد وعاش تجربته أو من لم يشهدها ويعايشها، وفى المحن والأزمات يتم استحضار سيرته، وفى الثورات الشعبية المطالبة بالحرية والعدل والمساواة حول العالم ترفع صوره كأيقونة للثائر الحق، وفى المواقف البطلة والشجاعة المتصدية لأعداء الأمة تستحضر كلماته، وتهتف الجماهير باسمه في كل مناسبة وطنية وقومية.
وقد حسمت حيرتى هذا العام بأن الفريضة الغائبة تاريخيا بين غالبية القادة العرب هي الكرامة في مواجهة أعداء الأمة، فالمواقف التي تتخذ دائما تتصف بالميوعة وعدم الحسم والتراخى والخضوع والخنوع والركوع في أحيان كثيرة، على العكس من ذلك تماما كانت هي مواقف جمال عبد الناصر حاسمة قاطعة لا تقبل التأويل أو التشكيك، ولم يكن يقبل الإهانة لنفسه أو شعبه أو وطنه أو أمته أمام الأعداء مهما كانت قوتهم وسطوتهم ونفوذهم، وكان يتخذ المواقف البطلة والشجاعة المحافظة على كرامة أمته مهما كلفه ذلك من خسائر.
لذلك لا عجب أن يكون الآن حاضرا في كل المواقف التي تمثل تحديا للأمة وقادتها أمام الأعداء كقدوة ونموذج، فتجد رجل الشارع العربي يقول لو كان "جمال" موجودا في هذا الموقف لكان رده سيكون أكثر قوة وحسما، وما كانت القوى الاستعمارية المهيمنة قد استطاعت أن تتلاعب بمصير شعوبنا وأمتنا العربية كما يحدث الآن، فقد كانت مواقفه حاسمة من الاستعمار الغربي، وكانوا يعملون له ألف حساب، وكانت الرجعية العربية الخائنة والعميلة تاريخيا تفكر ألف مرة قبل اتخاذ أي موقف في ظل وجوده.
لقد تمكن جمال عبد الناصر من تأسيس مدرسة الكرامة العربية، التي وقفت في وجه أعداء الأمة معلنة التحدى ورافعة لراية المقاومة، والتصدى بشجاعة لكل من يحاول النيل من شرف وكرامة أمتنا العربية، فكانت كلماته المدوية في مواجهة العدو الصهيونى "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف" و"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، بمثابة إعلان لميلاد المقاومة، وشق نهر هادر من الشرف والكرامة العربية في مواجهة القوى الاستعمارية الغربية الداعمة للعدو الصهيونى.
واليوم في ذكرى ميلاده الأول بعد المائة نركز على كيف ولدت زعامة جمال عبد الناصر، وبالطبع الزعامات لا تولد إلا من خلال المواقف والأحداث التاريخية الكبرى، وقدرة القائد على التصدى والمواجهة والانتصار، ويعد العدوان الثلاثى على مصر في عام 1956 بمثابة المعركة الحقيقية التي خلع فيها جمال عبد الناصر رداء الرئاسة ليرتدى رداء الزعامة بدون منافسة أو نزاع داخل الأمة العربية..
فعندما قرر جمال عبد الناصر استرداد جزء عزيز وغالى من أرض مصر حفر بدماء شعبها وهو قناة السويس وتخليصها من أيدى القوى الاستعمارية الغاصبة الإنجليزية والفرنسية، كانت بمثابة تحدى كبير لهذه القوى الإمبريالية العالمية، لذلك تحركت آلتها العسكرية برا وبحرا وجوا في محاولة للحفاظ على هيبتها الدولية أمام ذلك القائد العربي الشاب، لكن هذا القائد الأسمر الذي جاء من صعيد مصر كان عنيدا وشرسا..
فوقف معلنا التحدى والتصدى للقوى الإمبريالية المعتدية، وتمكن من الصمود حتى إجبارها على الانسحاب وإعلان هزيمتها، وخرج جمال عبد الناصر من هذه المعركة ليس رئيسا لمصر كما دخلها لكن زعيما عربيا تتجه انظار العالم إليه وتعمل القوى الإمبريالية العالمية له ألف حساب.
ما أشبه الليلة بالبارحة فمع مطلع هذا العام وفى نفس توقيت ذكرى ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر، يعلن عن ميلاد زعيم جديد للأمة العربية، كان رئيسا حتى مطلع العام 2011 عندما قررت القوى الإمبريالية العالمية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية شن حرب كونية على بلاده من أجل عقابه على عدم الخضوع لهيمنتها وسيطرتها، وقيامه بدعم المقاومة العربية في مواجهة العدو الصهيونى، وبناء تجربة تنموية مستقلة تشبه تجربة جمال عبد الناصر، تجربة تعتمد على الذات بحيث يأكل الشعب مما يزرع ويلبس مما يصنع، وهو ما يعنى خروج عن التبعية للإمبريالية العالمية واستقلالية للقرار السياسي في زمن المنطقة العربية وجزء كبير من العالم يخضع لهيمنة القطب الأوحد.
وكانت معركة 2011 هي الأشرس في تاريخ منطقتنا على الإطلاق، وعلى الرغم من ذلك قرر الرئيس بشار الأسد أن يخوضها دفاعا عن شرف وكرامة الأمة العربية كلها، وقد كان فقد تمكن عبر ثمانى سنوات أن يصمد صمودا اسطوريا، ويعقد تحالفات سياسية أذهلت العالم وأعادت القطبية المتعددة من جديد، وتمكن جيشه من دحر جيوش العالم الإرهابية وتجفيف منابع الإرهاب على كامل الجغرافيا العربية السورية، وقبل أن يحل مطلع العام الجديد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعلن هزيمتها بانسحاب قواتها المعتدية، ومع إعلان الانتصار يخرج الرئيس بشار الأسد من هذه الحرب الكونية ليس رئيسا كما دخلها في العام 2011 بل زعيم يستحق أن يرتدى رداء الزعامة العربية عن جدارة واستحقاق.
وبالطبع أصبحت أنظار العالم تتجه صوب سورية العربية والزعيم بشار الأسد وأصبحت القوى الإمبريالية العالمية تعمل له ألف حساب، لكن الغريب والعجيب حقا، أن الرجعية العربية تستكثر على الرجل زعامته كما كانت تستكثرها على الزعيم جمال عبد الناصر، وبدلا من أن يعلنوا انضمامهم وجامعتهم مسلوبة الإرادة إلى محور المقاومة والشرف العربي، يحاولون مساومة سورية وزعيمها من أجل العودة لمقعدها السليب داخل الجامعة، لكن هيهات أن ينالوا من سورية وزعيمها فالصمود والانتصار الذي حققه ناصر في 1956 خلق زعامته التاريخية، والصمود والانتصار الذي حققه بشار الأسد في 2019 حقق زعامته التاريخية الجديدة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.