ترامب يهدد بتدمير تركيا.. حكاية اقتصاد وهمي مربوط بـ «تغريدة»
هدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في وقت سابق من ساعات فجر اليوم الإثنين، تركيا بتدمير اقتصادها، في حال مهاجمة أنقرة للأكراد السوريين.
تهديد تويتر
وكتب الرئيس الأمريكي في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "نحن نبدأ سحب لقواتنا من سوريا طال انتظاره، وفي الوقت نفسه نوجه ضربات قوية لما تبقى من تنظيم "داعش" الإرهابي من جهات مختلفة".
وتابع ترامب: "سنهاجمهم مرة أخرى من القواعد المجاورة الموجودة، إذا عادوا". وأضاف "سندمر تركيا اقتصاديا إذا ضربت الأكراد"، موجها لها النصيحة بإنشاء منطقة آمنة على مسافة 20 ميلا.
وقال وزير خاجية أمريكا، مايك بومبيو عن تغريدة ترامب بشأن تركيا: لا تمثل تغييرا في قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا.
من جهته قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي اليوم الإثنين: "الشركاء الإستراتيجيون لا يتحدثون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الاتصال مفتوحة لدينا".
وأضاف أوغلو: "ندرك أن ترامب يعيش صعوبات ويتعرض للضغوط، وتصريحه الأخير موجه للداخل الأمريكي"، متابعا: "أكدنا مرارا أننا لن نخضع للتهديدات، وتصريح ترامب خاطئ".
واستطرد وزير خارجية تركيا، "إنشاء منطقة آمنة في سوريا ليست فكرة الولايات المتحدة، وأردوغان كان قد اقترح سابقا إنشاء منطقة آمنة".
ومن جانبه، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن إنه لا يمكن للإرهابيين أن يكونوا حلفاء وشركاء لواشنطن، وذلك ردا على تصريحات الرئيس الأمريكي التي هدد فيها باتخاذ إجراءات اقتصادية ضد أنقرة.
وذكر قالن، في تغريدة على حسابه على "تويتر"، أن تركيا تنتظر من الولايات المتحدة الأمريكية القيام بمسئولياتها وفقا لمقتضيات الشراكة الإستراتيجية التي تربط البلدين، وذلك بحسب وكالة "الأناضول".
كما لفت الرئاسة التركية إلى أن أنقرة "تكافح الإرهابيين وليس الأكراد، وتعمل على حماية الأكراد وباقي السوريين من تهديد الإرهاب".
سوريا لك
وكان ترامب قد أعلن في منتصف ديسمبر الماضي، عن قرار يقضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا بشكل كامل وفوري، وأجرى اتصالا حينها مع نظيره التركي، أبلغه خلاله بترك سوريا كله له.
وحسب صحيفة "واشنطن بوست"، في تقرير لها وقتها، أن أردوغان سأل ترامب خلال المكالمة التي دارت بينهما في 14 ديسمبر، عن سبب استمرار واشنطن في تزويد الأكراد السوريين بالسلاح ودعمهم رغم إعلان ترامب عن النصر على الإرهابيين، فردّ ترامب قائلًا "اسمع، سوريا لك، أنا سأغادرها".
وذكرت أن وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس استقال من منصبه بعد هذه المكالمة حصرًا، وقالت إن ترامب كان قد أعطاه عدة أشهر لإعداد الحل والقرار بشأن سوريا.
ورأت واشنطن بوست أن قرار ترامب سحب القوات من سوريا أثار ردود فعل متناقضة داخل الولايات المتحدة وخارجها، فالبعض أشار إلى أن الرئيس الامريكى كان قد وعد بذلك ووفى بوعده، فيما أصبح الانسحاب بالنسبة لمعظم أعضاء الكونجرس كارثة حقيقية، واستسلاما للقوتين الموجودتين داخل سوريا روسيا وإيران.
انهيار الليرة
بعد التحذيرات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستدمر تركيا اقتصاديا، إذا هاجمت أنقرة المقاتلين الأكراد شمالي سوريا.
ذكرت وكالة "أحوال نيوز" التركية، أنه فور انتشار الخبر تراجعت الليرة التركية وخسرت نحو 30% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي إلى 5.53 مقابل الدولار بحلول من قرب 5.4540، يوم الجمعة الماضي، بعد أن لامست 5.5450 في التعاملات الصباحية.
اقتصاد هش
تغريدة ترامب تعكس مدى هشاشة الاقتصاد التركي وإمكانية نسف قواعده بكلمات محدودة على تويتر على غرار ما حدث إبان أزمة القس الأمريكى.
وبحسب خبراء اقتصاد أن الاقتصاد التركي، الذي نما في العقد الأخير بصورة خطيرة، جاهز لهزة عنيفة شبيهة بتلك التي أطاحت بالنمور الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي، والاقتصادات الغربية قبل 10 سنوات.
بداية الصعود
بدأ الاهتمام بالسوق التركية مع بدء الانكماش الاقتصادي في الدول الغربية عام 2009، باعتبار تركيا واحدة من الاقتصادات الناشئة.
في هذه الفترة، أخذ المستثمرون الأجانب بالابتعاد عن الدول الغربية التي أصبحت محور الأزمة الاقتصادية.
وتراجعت معدلات الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان إلى الحضيض، وترافق ذلك مع توقف البنك المركزي الأمريكي عن برامج التسهيلات الميسرة، ما شجع على انتقال "الأموال الساخنة" (الصناديق الباحثة عن الربح العالي السريع نتيجة زيادة الفائدة على العملات المختلفة) المقدرة بنحو 4 تريليونات دولار إلى الأسواق الناشئة.
وأخذ المستثمرون يقترضون من الدول ذات معدلات الفائدة المتدنية كأمريكا واليابان، ويصبون استثماراتهم في الأسواق الناشئة المربحة، ما أدى إلى قفزة كبيرة في مشروعات البنى التحتية الحكومية، وزيادة كبيرة في معدلات الاقتراض وفقاعة كبيرة في قطاع الإنشاءات والبناء في العديد من الدول النامية والأسواق الناشئة، ومن بينها تركيا.
الديون الخارجية
وبحسب نظريات عالم الاقتصاد، يقود الانخفاض الكبير في معدلات الفائدة بالضرورة إلى قفزات اقتصادية مؤقتة مدفوعة بفقاعات في الاقتراض والبناء.
وما يثير القلق هو أن ثلث الديون الخارجية التركية (129.1 مليار دولار) عبارة عن ديون قصيرة الأجل، وهو مبلغ يزيد كثيرًا على الدين الخارجي قصير الأجل بنهاية العام 2012 (100.6 مليار دولار) أو عام 2008 و(52.52 مليار دولار).
وتشير تقارير المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى حول العالم أن عام 2019 سيكون صعبًا للغاية بالنسبة إلى تركيا، فيما يتعلق بتوفير مصادر تمويل خارجية وديون من مؤسسات مالية خارج البلاد.
وبحسب تقارير البنك المركزي التركي، فإن الحكومة التركية مجبرة على سداد 173 مليار دولار أمريكي ديونًا خارجية بحلول شهر أكتوبر من عام 2019.
وتبحث تركيا في الوقت الحالي جذب المزيد من المستثمرين الأجانب أكثر من أي وقت سابق، بسبب الأزمة المالية والنقدية الطاحنة التي تتعرض لها، من أجل توفير تمويل لدفعات الديون الخارجية؛ وذلك لأن ملف الديون الخارجية التركي يأتي على رأس أكبر الأزمات التي تواجه الاقتصاد التركي بعدما بلغ إجماليها نحو 448.4 مليار دولار أمريكي.
سخر الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات الشرق الأوسط، أمجد طه من اقتصاد تركيا الذي يتلاعب به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقال طه، في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي، تويتر تابعها المشهد العربي: "كل عملات العالم مربوطة بأسعار الذهب أو النفط وغيرها باستثناء الليرة التركية.. مربوطة بتغريدات ترامب"، متابعا: "ترامب يجلد أردوغان".
وتشير التقارير إلى أن 306 مليارات دولار أمريكي من تلك الديون خاصة بالقطاع الخاص، و137 مليار دولار أمريكي خاصة بالقطاع الحكومي، و5.5 مليار دولار أمريكي خاص بالبنك المركزي التركي.
وحذر الخبراء أنه من المتوقع أن تشهد العملات الأجنبية ارتفاعًا كبيرًا أمام الليرة التركية، في الأشهر التي يكون فيها احتياج كبير للعملات الأجنبية من أجل سداد أي دفعات من الديون الخارجية.
غلطة أردوغان
وصفت مجلة " ايكونومست" المعنية بالاقتصاد، تركيا بأنها في عين العاصفة الاقتصادية وعلى شفير الركود، بعد تسجيل أرقام النمو السالبة في الربع الثالث من 2018، والتي تضع البلاد على حافة الانكماش للمرة الأولى منذ وصول حزب أردوغان إلى السلطة قبل 16 عامًا.
وتقلص الاقتصاد التركي بنسبة 1.1% في الربع الثالث من 2018 مقارنة مع الفصل الذي سبقه، وسيدخل رسميا في الركود إذا انكمش لفصل آخر، وهذا ما تتوقعه مجموعة من المؤسسات العالمية من بينها بنك نومورا.
أما بالنسبة للعام الجاري فتتوقع وكالة موديز انكماشا بنسبة 2%. يأتي توقيت هذه البيانات في لحظة حرجة لأردوغان قبيل الانتخابات المحلية في مارس المقبل، فصدورها يبدد شيئا من أجواء التفاؤل التي أشاعها تحسن بعض المؤشرات في الأسابيع الأخيرة، ومنها ارتداد الليرة التركية صعودا إلى أعلى مستوياتها منذ أغسطس الماضي، بعد تسجيل انفراجات جزئية في العلاقات مع واشنطن، لتعوض العملة بعض خسائر الصيف الماضي.
ومع ذلك تظل الليرة إحدى أسوأ العملات أداء في 2018، بتراجعات مقابل الدولار بنحو 30%، كذلك يبقى التضخم مرتفعا جدا على الرغم من تراجعه 5% إلى 20% خلال الشهرين الماضيين، بعد أن وصل إلى 25% في أكتوبر الماضي، وهو أعلى مستوى له في 15 عاما.
تبدو الخيارات صعبة أمام أردوغان. فأي عودة سريعة لسياسة خفض الفائدة التي ينادي بها، قد تطلق موجة جديدة من التضخم، تدفع ثمنها الطبقات الاجتماعية التي تشكل جوهر قاعدته الانتخابية.
أما بقاء الفائدة عند مستوياتها الحالية المرتفعة، فيعني معاناة قطاعات الأعمال في الحصول على خطوط الائتمان، وبالتالي إبقاء الاقتصاد على مسار الركود.