دفاعا عن الإعلاميين والإعلام
بات الإعلام والإعلاميون كالأيتام ليس لهم ظهر، وبات كل فاشل في أداء مهامه يلقي بمسئولية فشله على الإعلام، ورغم تعدد جهات الإشراف على الإعلام ضاعت الحقوق والمهنية والكرامة، وأصبحت المجالس والهيئات أدوات الرقابة والحساب والعقاب، وكادت النقابات تندثر وتختفي إما طمعا أو خوفا أو اتقاء شر بعض من يديرون ملف الإعلام بدون سابق خبرة أو معرفة..
وهذه أول مرة في تاريخ الإعلام في هذا البلد أن يتراجع ويتقزم بهذا المستوى، سواء في الصحافة أو التليفزيون أو الإذاعة أو الإعلام الإلكتروني، ولو أن هناك أعدى أعداء هذا البلد وضع خطة للقضاء على قوة مصر الناعمة ما قدم أكثر مما يحدث الآن، والسبب هو إسناد الأمر إلى غير أهله، وغياب أي معايير علمية أو موضوعية أو مهنية أو وطنية في الاختيار للقائمين على إدارة هذا الملف الخطير..
وظن القائمون على الأمر سهولة وبساطة الإدارة، وهم لا يعلمون أن صناعة الإعلام أخطر بكثير من أي صناعة مهما كانت درجة صعوبتها، ذلك أن صناعة الرأي العام لا يقدر عليها إلا العلماء، وعادة ما تتم برمجتها في غرف أجهزة المخابرات مع كوكبة من علماء الإعلام والرأي العام والاجتماع السياسي، وليس مجموعة موظفين صغار ينفذون ما يؤمرون به من عدة جهات غامضة..
وليت تلك الجهات متعاونة ولكنها متضاربة، ويحكي مدير لإحدى القنوات أن جهة ما اتصلت به وطلبت منه إذاعة مجموعة لقطات، ولكنها عادت بعد قليل وطلبت عدم البث، وفوجئ بجهة أخرى تطلب الإذاعة وأصبح في حيرة، وما كان منه إلا أن أرسل للجهتين ما طلب منه..
ويحكي رئيس آخر لقناة فضائية أنه إكتشف وجود صراع بين عدة جهات على إدارة الملف الإعلامي، ويقول إنه فوجئ بتدخلات ساذجة وأوامر لتنفيذها في وقت قياسي، تدل على عدم وجود أي خبرة مهنية، وللأسف راح بعض الإعلاميين يغازلون الجهات المتعددة المشرفة على الإعلام، ولم يعد ولاؤهم للمكان الذين يعملون به، ولكن من يحميهم وكان أن توحشت الإدارة فقامت باحتكار الإعلام وتأميمه وتكميمه ليصبح صوتا واحدا، ومن يخرج عن تلك المنظومة يتم عزلة بصورة مهينة، لدرجة دفعت مذيعا أن يجأر بالشكوى مما حدث معه، بعدما جلس في بيته دون أن يعد العدة لهذا اليوم..
وهو ما دفع بعض ملاك المواقع والقنوات للتخلص منها، وبات شكل الملكية أقرب للكاحول المشهور في العمارات المخالفة، وبات من المعلوم بالضرورة أن الملاك الجدد لا علاقة لهم بالمهنة من قريب أو بعيد، وأصبحت نظرات الشك تطال كل وافد جديد لأي موقع إعلامي، وانتشرت الشائعات للأسف عن وجود كفيل لكل وجه جديد، وبات القادر على الطبل أكثر له الأولوية..
وأصبح السؤال المسخرة لبعض الإعلاميين عن اسم الضابط الذي يديره ويكفله، ولأول مرة نجد حركة تنقلات أشبه بالكراسي الموسيقية للمذيعين والمذيعات بين القنوات، ووسط كل ذلك تركت الدولة ماسبيرو يغرق في همومه وديونه، وتم القضاء على قطاع الإنتاج الذي كان بمثابة طاقة النور والوعي للدراما المصرية..
وتخلت الدولة ظاهريا عن مؤسساتها الرسمية وراحت تلعب في غير ملعبها في الإعلام الخاص، وكان يمكنها أن تقدم نموذجا ناجحا في الصحافة والإذاعة والتليفزيون ليقتدي به الجميع، وللأسف نسيت السلطة أو تناست الدور العملاق الذي لعبه الإعلام المصري طوال تاريخه وتحديدا قبل ٢٥ يناير وحتى وقت قريب، فقد وقف صلدا مدافعا عن ثوابت تلك الأمة وقف مع الجيش والشرطة وناصر وانتصر للدولة المدنية..
الإعلام هو من أسقط الإخوان، بينما كان الآخرون ينافقونهم ويتملقونهم، والإعلام هو من كشف زيف الربيع العبري وفضح المتآمرين وعراهم، وجعل الأمة المصرية تهجر قنوات الفتنة القطرية وتثق به وتصدقه حتى وقت قريب جدا، وللأسف عادت الأمور وراح البعض لقنوات الفتنة بحثا عن وجهة النظر الأخرى الغائبة في إعلام بلده، وحتى اللجان الإلكترونية المنوط بها التصدي لزيف وسفالات الإخوان أصبحت رسمية بأكثر مما ينبغي، فقدت وظيفتها بفضل عدم وعي القائمين عليها..
وأصبح على المصريين مواجهة ١٣٧ ألف موقع إلكتروني إرهابي وحدهم بدون مرشد يوجههم وبدون بوصلة وطنية ويدون معلومات تفند تلك المزاعم سوي نشرة النفي الأسبوعية الصادرة عن مركز معلومات مجلس الوزراء، وبات الإعلام المصري لا يبادر ولكنه مجرد رد فعل، وللأسف وراح بعض الغوغاء يرددون بغباء اتهامات الإخوان للإعلام المصري لكي ينجح إعلام الإرهابيين في جعل المصريين يفقدون الثقة في إعلامهم..
وكل ذلك لأن القائمين على إدارة الملف الإعلامي بلا سابق خبرة، وليت السلطة تعلم أن المعركة هي معركة معلومات ووعي ومهارة القائم بالاتصال بغض النظر عن كفيله أو واسطته أو درجة ولائه كما يحدث بكل أسف، والمعنى أن العك الراهن لا علاقة له بالإعلاميين ولكن بالقائمين عليه، لمن أراد الإصلاح.