فستان «رانيا يوسف» في امتحان.. قبل أن يُكيّل العلم بالميديا
كنت من جيل بزوغ الـ«فيس بوك» لكنه لم يكن انتشر بتلك القوة الآن، قلة كانت عليه ووقتها لم يكن الأمر أكثر من نافذة لنشر صور وفيديوهات وأشعار وبعض النصوص لهواة الكتابة، لم يكن وسائل للمعرفة سوى التلفاز والجرائد، ولم يكن شراء الجرائد هواية محببة لطلبة في الصف الثاني الدراسة لهم رغم أنهم يدرسون الإعلام.
كل من يدرس إعلام يعرف أن الكثير من الامتحانات عبارة عن اختبار عملي أكثر منه نظري، ففي مادة الخبر الصحفي جاءت الكلمات متقطعة لكتابة خبر، المشكلة الحقيقية أن الكلمات المتقطعة كانت حول أحداث من نوعية المصالحة الفلسطينية، وافتتاح الرئيس مبارك -وقتها- لعدد من المشروعات، لا أحد ينكر أن المعرفة المسبقة تساعد الصحفي في صيغة خبره بشكل أسرع وأكثر مهنية بل ولذلك فإن خلفية الأحداث لها أهمية لا تقل عن الخبر نفسه، المهم أن زملائي كانوا يواجهون صعوبة في معرفة الحدث أصلًا قبل صياغته، لاحظ أننا نتحدث عن شباب لم يكملوا الـ19 عاما بعد، وكان حظي أني بدأت العمل في جريدة الوفد فلممت ببعض الأحداث واستطعت الصياغة بشكل جيد.
منذ أيام ثارت ثائرة الـ«فيس بوك» ونظّار مدرسة الأخلاق بسبب سؤال عن فستان رانيا يوسف بمهرجان القاهرة السينمائي، بكلية الإعلام جامعة سوهاج، استنكر الكثيرون أن يتم وضع امتحان عن تلك الواقعة لنشأ مفترض أن يقودوا الأمة -هم في الحقيقة لن يقودوا إلى أنفسهم وغالبًا للهلاك- المهم أن التّهم جاهزة وحُراس الفضيلة أعلنوا عن أنفسهم بكل شجاعة، السؤال كان للطلاب إن كنت صحفيًا كيف يمكن أن تسأل أسئلة غير تقليدية لو أتيح لك فرصة حوار، كيف ستغطي الحدث، كيف ستتناول ما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي، وبصفتي دارسا للإعلام وأعمل فيه وحسب خبرتي البسيطة فأقول قولًا واحدًا أن هذا سؤال في محله تمامًا وذلك في عدة نقاط:
أولًا: اعتمد واضع الامتحان على حادثة مشهورة شهدها وسمع عنها الجميع وبالتالي يُصبح الأمر أسهل بالنسبة للطلاب، فعلى الأقل لديهم خلفية عن الأحداث التي سيتعاملون معها، هم في الغالب ثقافتهم «فيس بوكية» وتعتمد في الأساس على التريند، ولاحظ أن السؤال الثاني كان عن الصحفي الراحل جمال خاشقجي، أي إنهم اعتمدوا على «الترندات».
ثانيًا: امتحانات كلية الإعلام تعتمد على الأحداث والمهارات العملية في جزء كبير منها، ستجد هذا في امتحانات الخبر الصحفي والترجمة والحوار الصحفي، ليس لدينا أسئلة لها إجابات بعينها ومحفوظة ومكررة إلا في بعض المواد، وبالتالي أضحكنى كثيرًا من قال كيف تكون رانيا يوسف في منهج كلية إعلام.
ثالثًا: قضية تناول رانيا يوسف كانت كاشفة، ما بين المهنية والفضائحية، بين التناول الصحيح والتناول الخاطئ، أسئلة واضع الامتحان جاءت لتتعرف على كيف سيتم تناول الحادثة من وجهة نظر الطالب، في الصحافة كل الأحداث تستحق التغطية وكل الأحداث لا تستحق التغطية، تلك منظومة متشعبة بالنسبة للقارئ لكن علينا أن نقول إن حادثة رانيا يوسف تستحق أن يتم تغطيتها، وهو ما ظهر في كل وسائل الإعلام تقريبًا..
برامج وصحف ومواقع إخبارية بل ومواقع أجنبية كتبت عنها، مقالات لكتاب تناولوا تلك القصة، كان حدثًا وليس هناك ما ينص أن الحدث يجب أن يكون إيجابيًا أو أخلاقيًا، نحن لا نصنع الحدث، بل نكشفه ولدينا من الأدوات ما يمكن أن نتناول به أي حدث، الفيصل كيف سنتناول، من الإجابات سنعرف الفاصل بين الصحافة وغيرها، بين الصحفي والمدّون، كان السؤال ذكيًا بالطبع.