رئيس التحرير
عصام كامل

درس في التجديد من الشيخ شلتوت.. الإخوة من الرضاعة!


وظيفة علماء الدين الأولى هي مطابقة الشرع على الواقع.. ولذلك يضرب الكتاب المثال دائما بالإمام الشافعي باعتباره "صاحب المذهبين"، الأول في العراق حيث عاش هناك، والثاني في مصر بعد أن جاء إليها !، ورغم أن الزمان واحد لكن اختلف المكان فاختلفت الطباع والاحتياجات فاختلف المذهب!، فما بالنا وقد مر على الشافعي رحمه الله مئات السنين؟!


ومع ذلك يلتبس مفهوم التجديد خصوصا في الفقه على الكثيرين، ولذلك نقدم نموذجا لأحد كبار المجددين ممن سجلوا لأنفسهم تاريخا من نور بعد أن أعاد للفتوي الإسلامية بهاءها، ابتعد فيها عن التقليد، إذ إن قيمة الفقيه الأساسية أن يجيب على أسئلة عصره بمفهوم العصر، وليس بمفهوم عصور سابقة، يتحول فيها المقلدون إلى اسطوانات ناطقة تحفظ ما درسته لا أكثر ولا أقل!

وبخلاف فتاوي الإمام الأكبر الراحل محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق -وقد مرت ذكري رحيله الخامسة والخمسين قبل أيام - عن فتاوي البنوك، والفقه على المذاهب، وتدريس مذهب الشيعة الاثني عشرية، وغيرها من الفتاوي المهمة نتوقف عند رده على سؤال حول الرضاعة، وعن عدد الرضعات التي تحرم أصحابها على بعض، وكيف نتعلم منها أسس تجديد الفقه..

وكان الأسهل لفضيلته أن يقول كما قال من سبقوه.. خمس رضعات مشبعات ويريح نفسه من عناء البحث، لكنه يدرك أنه بذلك لا يكون مجددا.. فضلا عن سقوط صفة المجدد عنه.. فيتوقف أمام الآية "وأمهاتكم اللاتي ارضعنكم"، ويشرحها بقوله:

"لا شك أن عنوان الأمهات يعطي أن مدة الرضاعة امتدت وقتا شعرت منه المرضعة بمعنى الأمومة للرضيع، ولا شك أن هذا الوقت ليس هو وقت "القطرة"، ولا هو وقت "الثلاث رضعات"، ولا هو وقت "الخمس رضعات"، فالخمس رضعات أو الرضعات المعدودات لا يمكن أن تحدِث معنى الأمومة عند المرضعة "!

ويعود بعدها للعلم ويسأل أهل الاختصاص في الطب عن نشأة الجنين وارتباطه بأمه، وكم يستغرق ذلك، وبناء عليه تصبح هذه المدة هي المدة المطلوبة لاستمرار الرضاعة ليكون من رضعوا معا من نفس السيدة إخوة من الرضاعة ويتم تحريم زواجهم!

إذن لم يغير العالم الجليل الآية كما يزعم أعداء التجديد، إنما جدد في رؤية الفقهاء في فهمها.. واستنبط حكما جديدا بأدوات جديدة أهمها العلم الحديث وقد تطور في عصره!

وهكذا نظر الشيخ في الآيات القرآنية، وتأملها، وعقلها، وهكذا عمل بأوامر القرآن الذي أمر بالنظر والتأمل والتعقل.. وليس الحفظ والتقليد!

رحم الله الشيخ شلتوت.. أحد أبرز رموز مدرسة العقل في فهم الإسلام.. وهدى الله الجميع!
الجريدة الرسمية