رئيس التحرير
عصام كامل

«الله» الذي يريد إبراهيم عيسى أن نعبده.. «مولانا» لم يكن بداية رحلة «الاختلاف».. «الضيف» أقرب إلى «سيرته الذاتية».. ومعارك الكاتب الصحفي عرض مستمر مع

 إبراهيم عيسى
إبراهيم عيسى

منذ سنوات طويلة مد الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، خط معارضته على استقامته، إلا قليلا، لم ينج أحد من الانتقادات التي تطورت في بعض الأحيان إلى معارك، وضع بسبب إحداها اسمه على قائمة «الاغتيالات»، فحسب الرواية المتداولة فإنه في نهاية العام 1992 ألقت أجهزة الأمن القبض على مجموعة إرهابية أطلق عليها الإعلام فيما بعد «العائدون من أفغانستان»، عُثر مع المجموعة على قائمة اغتيالات كانت تنوي تنفيذها في تلك الفترة ضد سياسيين وفنانين وإعلاميين كان على رأسهم «عيسى».


ويروى أيضا أنه بعد عملية القبض تلك، والقائمة التي تم كشفها، خصصت وزارة الداخلية، حراسة خاصة لـ«عيسى»، وحين ذهب أمين الشرطة المكلف بحراسته إلى مقر إقامة الصحفي المكلف بحراسته، فوجئ بأنه يسكن في شقة متواضعة بلا أثاث تقريبا، إضافة إلى عدم امتلاكه سيارة خاصة، يومها سخر الحارس من عيسى وقال له: «وأنت خايفين منك ليه وأنت فقري وما حيلتكش حاجة؟!».

فعليا.. لم يكن الصحفي الشاب يمتلك من متاع الدنيا شيئًا، اللهم إلا ثروة كبيرة من الكتب، ساهمت بقدر كبير في صناعة وصياغة أفكار جريئة، وموهبة صحفية طازجة، ليدخل في مواجهة طاحنة مع قيادات تيارات الإسلام السياسي، وهو ما جعله هدفا دائما لهجمات أتباعهم.

معارك عيسى
قراءة ومتابعة تاريخ معارك «عيسى» التي خسرها أو ربحها، تذهب بنا إلى نتيجة واحدة مفادها أنه اختار من البداية الصدام مع الجميع (الحكومة - المجتمع - الجماعات الإسلامية - الأزهر - الكنيسة)، رافضا الاعتراف بالثوابت الدينية أو المجتمعية التي يخشى كثيرون الاقتراب منها.

سنوات قليلة مرت على «عيسى» داخل جدران مؤسسة «روزاليوسف» التي سرعان ما غادرها ليبدأ تجربته الصحفية الأولى كرئيس تحرير براحة لم يكن متوفرا له في الصحافة القومية، وما هي إلا أعداد قليلة صدرت إلا وتحولت "الدستور" في تجربتها الأولى إلى صحيفة يخشاها النظام الحاكم، ويرفض أفكارها قطاع عريض من المجتمع المحافظ.

سنوات التأسيس في «روزاليوزسف» يمكن القول إنها ساهمت في حالة التنقل برشاقة التي يتمتع بها «عيسى» من اليمين لليسار يطرح القضايا الكبرى من منظوره الخاص، ويرى أن كل ما يحدث من حولنا يدعو للتفكر وإعادة النظر والمراجعة، ولا مانع من تفكيك تلك الثوابت وإعادة النظر إليها مرة أخرى من موقع آخر وفكر خاص.

الصحافة لم تكن الحائط الوحيد الذي نقش عليه «عيسى» أفكاره، فما هي إلا سنوات أخرى مضت، إلا وبدأ ينقش بـ«إزميل الموهبة» على حائط السينما، ليبدأ ما يستحق بأن يوصف بــ«المشروع السينمائي»، حيث قدم «مولانا» ومن بعده فيلم «الضيف»، وهي أعمال يمكن من خلالها فهم رؤية إبراهيم عيسى للدين والحياة.

الضيف
في «الضيف» كان الدين حاضرا أيضا بقوة، بطل الفيلم يحيي التيجاني، يشبه كثيرا عيسى نفسه، فهو مفكر متهم بازدراء الدين الإسلامي لمجرد اقترابه من «صحيح البخاري» وانتقاده لأحاديث بعينها يرى أنها تتنافى مع المنطق والعقل، تحرس الداخلية بيته خوفا من اغتياله على يد أتباع الجماعات المتطرفة، ويستغرب المقربون منه والمتعاملون معه كيف يصلي ويصوم، وهو متهم بنقد أصح الكتب بعد كتاب الله!

ولأن أحداث «الضيف» تحكي عن الصراع التاريخي بين المفكر المستنير والإرهابي المتحجر صاحب الثوابت التي لا تقبل المناقشة أو المراجعة، يرى بعض النقاد أن الفيلم يستعرض حياة إبراهيم عيسى نفسه، يروي معاناته وتجربته وفكره في الطرح والمناقشة مقابل أصحاب العقول المظلمة.

سخرية
يتناول الفيلم الذي يشبه كثيرا أفكار وطريقة «عيسى» في تناول القضايا المهمة بشيء من السخرية المنقوعة بمصرية تطلق النكات في أحلك اللحظات، ويلقي الضوء على قضايا سبق أن تناولها عيسى منذ بداية عمله الصحفي، ولم يجد المؤلف حرجا في مناقشة السنة النبوية وما فيها من قواعد يرى أنه عفا عليها الزمن، وأنها جاءت فقط تبعا لمحددات العصر الذي عاش فيه الإسلام يتحسس خطواته، ويبدأ في الانتشار والتوسع، إلى أن وصل إلى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، تلك العلاقة الشائكة التي يغلب فيها الطبع وروح المجتمع المصري مفهوم أصحاب العقول المظلمة باعتبار أن المسيحيين أهل ذمة.

دور الدين في حياة البشر منذ بدء الخليقة وظهور الأديان واحدا تلو الآخر، وكيف ينظم التعامل مع الحياة من حولنا، وغيرها من الأفكار التي ضمها سيناريو «الضيف» أفكار ليست حديثة العهد لدى إبراهيم عيسى فقد سبق وطرحها في رواياته السابقة وكتبه أو حتى مقالاته التي تناول فيها تلك القضايا بشيء من التدقيق.

منذ بداية عمل عيسى صحفيا ولاحقا باحثا ومثقفا، كان التساؤل دائما حاضرا في ذهنه، لماذا نعبد الخالق؟ لماذا نؤمن بما ساقه لنا الأئمة الأربعة؟ لماذا لا نناقش أحداث الفرقة التي وقعت في تاريخ الإسلام؟ ولماذا لا نراجع فترة حكم الخلفاء الراشدين وما وقع خلالها من أحداث عظمى ساهمت في ظهور فرق إسلامية مختلفة عن بعضها البعض، مؤمنا في ذلك كله أن الدعوة للمراجعة دليل على ثبات الإيمان وقوة الحجة.

«الله» عند إبراهيم عيسى يختلف مفهومه عن العوام أو أصحاب الأيديولوجيات الراديكالية التي ترفض النظر إلى الوراء ومحاولة البحث عن إجابات للأسئلة الشائكة، فهو يرى أن «الله» طالبَ خلقه بالتفكر وإعمال العقل وهو ما لا يمنعه من الخوض في ثوابت جرت العادة على عدم مراجعتها، ولعل وصفه لـ"صيام شهر رمضان" بأنه لا توجد حكمة منه سوى أنه أمر إلهي يجب تنفيذه، واحد من التساؤلات التي طرحها "عيسى" وأثارت أزمة كبرى، وكذا حديثه عن الخلافات التي جرت أحداثها في فترة ما بعد وفاة الرسول (عليه الصلاة والسلام) وتولي الخلفاء الراشدين للحكم، واختلافهم فيما بينهم لأسباب سياسية خاصة بعيدة كل البعد عن الدين.

«عيسى» يرى أن «الله» أقرب وأرحم مما يحاول أن يصوغه ويصوره أصحاب العمائم، ويطالب بتنقية التراث.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية