حرب الجواسيس بين إيران وإسرائيل.. ننتظركم في جولة جديدة
أصدرت محكمة في الاحتلال، الأربعاء، حكمًا يقضي بسجن وزير الطاقة الإسرائيلي السابق جونين سيجيف 11 عامًا، على خلفية إدانته بتهمة التجسس لصالح إيران.
كنز معلومات
وبعد ستة أشهر من إلقاء القبض على وزير الطاقة السابق جونين سيجيف، أصدرت المحكمة الإسرائيلية حكمًا بسجن سيجيف 11 عامًا بتهمة التجسس لصالح إيران، بعدما عقد صفقة قضائية اعترف خلالها بالمعلومات التي قدمها.
والوزير الإسرائيلي جونين سيجيف شغل منصب وزير الطاقة في إسرائيل، بين عامي 1995 و1996، وجندته المخابرات الإيرانية منذ عام 2012، حتى اعتقاله في شهر مايو الماضى.
تقارير إسرائيلية أشارت إلى أن سجيف نظم لقاءات عديدة بين إسرائيليين وعناصر أمن إيرانية بهدف اختراق القطاع الأمني الإسرائيلي، مشيرة إلى أن الأموال التي دفعها الإيرانيون للعميل الإسرائيلي تكشف عن استفادة كبيرة منه وتقديمه كنز معلومات، ولولا ذلك، وفق رواية جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، لما دفعوا كل تلك الأموال له.. لتلقى القضية الضوء على تاريخ الصراع بين المخابرات الإيرانية ونظيرتها الإسرائيلية والتي بدأت فعليا منذ منتصف السبعينيات.
المخابرات الإيرانية
يعود تاريخ تأسيس جهاز الاستخبارات الإيراني لعام 1957، حين تعاونت الولايات المتحدة، وللمرافقة إسرائيل، مع شاه إيران "محمد رضا بهلوي" لإنشاء منظمة الأمن الوطني والاستخبارات الإيرانية المعروفة باسم "السافاك".
كان الهدف الرئيس للسافاك في البداية هو حماية النظام من اختراقات الشيوعيين، وخاصة حزب "توده" الشيوعي المعارض للشاه، ونتيجة لذلك تم منح الجهاز صلاحيات واسعة في مراقبة الصحفيين والأكاديميين والنقابات العمالية؛ ما أكسبه سمعة وحشية بعد أن تحول لمنظمة غير خاضعة لأي قانون بشكل حرفي.
وافق البرلمان الإيرانى، في أغسطس 1983، على تشكيل وزارة المخابرات والأمن الإيرانية، ودمج جميع الأجهزة الاستخباراتية داخلها، ليتم تأسيس الوزارة الجديدة بشكل فعلي في العام التالي مستفيدة من خبرات وكلاء السافاك السابقين في الحرب العراقية الإيرانية، حيث استخدمتهم طهران لجمع المعلومات خلال الحرب، ولاحقًا لاستهداف سلسلة المثقفين المعارضين الإيرانيين الذين انتقدوا نظام الجمهورية الإسلامية خلال الحرب فيما عرف إعلاميا باسم متسلسلة القتل، حيث قامت المخابرات الإيرانية باغتيال أكثر من 80 من الكتاب والمترجمين والشعراء والنشطاء السياسيين الذين قتلوا من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل شملت حوادث السيارات والطعن وإطلاق النار وحتى الحقن بالبوتاسيوم.
بداية الصدام
حتى هذه الحقبة لم تكن إيران قد وجهت مواردها الاستخباراتية أو العسكرية ضد إسرائيل بشكل واضح بسبب انشغالها بالحرب مع العراق ومواجهة خصومها بالداخل، حتى تغيرت البوصلة نحو تل أبيب في منتصف التسعينيات، وبأشد الطرق فتكا ودموية. وتورطت، بحسب الرواية، وزارة الاستخبارات الإيرانية في التخطيط لعمليتي قصف سفارة الاحتلال وتفجير المركز اليهودي في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس عامي 1992 و1994، ما أسفر عن مقتل 85 شخصا وإصابة 150 آخرين، وذلك في رد ضمني أيضا على تعليق الحكومة الأرجنتينية لعقد للتعاون النووي مع إيران.
عملية الهند
ظل استهداف الأصول والموارد والشخصيات الإسرائيلية والجاليات اليهودية في الخارج هو الطريقة المفضلة للاستخبارات الإيرانية، وحلفائها في الحرس الثوري وحزب الله، لمواجهة إسرائيل على مدار قرابة عقدين، ولعل إحدى آخر تلك العمليات كانت استهداف سيارة دبلوماسية إسرائيلية في الهند في محاولة لاغتيال ممثل الجيش الإسرائيلي في نيودلهي مما أدى إلى إصابة زوجته.
كان النجاح الذي حققته طهران في الاختراق الاستخباراتي المباشر للكيان المحتل حتى مطلع التسعينيات محدودًا بشكل كبير، وفي المقابل، كانت إسرائيل هي من نجحت مرارًا في تجنيد بعض الإيرانيين المنشقين للحصول على المعلومات، ولعل أبرزهم الجنرال "على رضا أصغري" الذي لعب دورا بارزا في الشبكة التي تربط بين إيران وحزب الله وسوريا، ويعتقد أن أصغري كان مصدر المعلومات الاستخباراتية التي استخدمتها إسرائيل في عملية البستان الشهيرة لقصف المفاعل النووي السوري في دير الزور في سبتمبر عام 2007.
الشبكة الإسرائيلية
وفى ظل الاختراقات، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية في 10 أبريل 2012، عن اكتشاف شبكة إسرائيلية في وسط إيران يزعم أنها تحاول جمع معلومات عن الأنشطة النووية الإيرانية، مشيرة لقدرتها على تفكيك شبكات التجسس التابعة لوكالة المخابرات المركزية والموساد فيما أسمته حرب الاستخبارات المفتوحة بين الفريقين، ولكن اختراق المؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية المنيعة ظل دومًا حلمًا وهدفًا مشروعًا بالنسبة للإيرانيين، ويبدو أن طهران حققت نجاحات في ذلك بالفعل، وكعادة الأمور في عالم الاستخبارات استغرق الأمر بضع سنوات من أجل الكشف عن تفاصيل مثل هذه العمليات بشكل واضح، إلا أنها حملت بضع لمحات شديدة الأهمية كاشفة عن الجهد الإيراني لمحاكاة الاختراق الإسرائيلي وبنفس الوسائل أيضًا.
رد إيرانى
ومثلت القضية المتعلقة بالسجين إكس (x) التي أثارت الكثير من الجدل في إسرائيل وخارجها إحدى أبرز الدلائل على تطور الأذرع الاستخباراتية الإيرانية، وفى ديسمبر عام 2010 عُثر على وكيل الموساد السابق "بن زايغر" مشنوقا في حمام زنزانته في سجن "أيالون" الحصين بالرملة.
لا يعرف أحد بالتحديد كيف تم تجنيد ضابط الموساد الإسرائيلي الذي أمد حزب الله وإيران بوصول غير مسبوق لمعلومات حساسة من داخل دوائر الاستخبارات الإسرائيلية، لكن ما يعرفه الجميع أن إسرائيل حاولت التكتم بشدة على تفاصيل القضية، خاصة بعد "انتحار" زايغر في محبسه الحصين أمام الكاميرات، الأمر الذي مثل لغزًا كبيرًا رمزت إليه الصحافة الإسرائيلية لمدة طويلة باسم لغز "السجين إكس"، قبل أن تكشف تحقيقات صحفية عن تفاصيل القضية المثيرة في وقت لاحق، وتكشف معها التطور الاستخباراتي الإيراني.
عملية عماد
فورة حرب الاستخبارات وصلت إلى ذروتها، بإعلان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، مطلع مايو 2018، عن نجاح عملية الموساد في قلب طهران المعروفة باسم "عماد" بعدما جلب العملاء نصف طن من الوثائق المتعلقة بالأرشيف النووي الإيرانى.
وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية حينها عن تفاصيل العملية التي نفذتها الاستخبارات الإسرائيلية للحصول على الوثائق التي قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنها تُثبت كذب طهران بشأن برنامجها النووي.
وذكرت الصحيفة، نقلًا عن مسئول إسرائيلي رفيع، أن الاستخبارات الإسرائيلية الموساد" اكتشفت في فبراير العام 2016 مستودعًا سريًا في طهران كان يُستخدم لتخزين ملفات خاصة بالبرنامج النووي، وقامت بمراقبة المبنى منذ ذلك الحين.
وحسب المسئول، فإن عملاء «الموساد» اقتحموا المبنى في إحدى ليالي يناير 2018، وسحبوا نحو نصف طن من الوثائق الأصلية، ونقلوها إلى إسرائيل في الليلة نفسها.
وأكد أن رئيس «الموساد» يوسي كوهين أبلغ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالعملية خلال زيارته واشنطن في يناير الماضي، وعزا المسئول التأخير في الإعلان عن محتوى المواد المستولى عليها إلى أن تحليل الوثائق التي كان معظمها باللغة الفارسية، استغرق قدرًا من الوقت.
وكان نتنياهو قد قال في مؤتمره الصحافي الشهير آنذاك: إن إيران نقلت في 2017 سجلاتها إلى مكان سري في منطقة شوراباد جنوب طهران، بدا وكأنه «مستودع متهالك».
وأضاف: إن المستودع احتوى «الأرشيف الإيراني السري المحفوظ في ملفات ضخمة.. وقلائل من الإيرانيين كانوا يعرفون مكان وجوده وكذلك قلائل من الإسرائيليين».
وأعلن نتنياهو أن العملاء استطاعوا الاستيلاء على «نصف طن من المواد»، التي تتكون من خمسة وخمسين ألف صفحة و55 ألف ملف آخر على 183 قرصًا مضغوطًا، مدّعيًا أنها تؤكد استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي في خرق لالتزاماتها أمام المجتمع الدولي.
جولة جديدة
شهر مايو الساخن في الحرب المعلوماتية، شهد نجاح تل أبيب في عملية عماد، وكشف نجاح إيران في تجنيد وزير سابق بالاحتلال، في حين ستظل الحرب الاستخباراتية المفتوحة بين إيران وإسرائيل مرشحة للاشتعال أكثر فأكثر، فقضية الوزير رغم محاولة تل أبيب التقليل من شأنها إعلاميا، أثبتت قدرة إيران على اختراق الطبقة السياسية والأمنية في إسرائيل، لنبقى في انتظار جولة جديدة من جولات حرب الجواسيس.