لو لم يبادر الرئيس!
هل كان لا بد أن يعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مبادرته لتوفير حياة كريمة للمواطنين الأكثر احتياجا، حتى تتحرك أجهزة الدولة من حكومية ومدنية لتنفيذها، وكأن تلك الأجهزة لم تكن تشعر بمعاناة ملايين المواطنين الذين تحملوا بصبر آثار الإصلاح الاقتصادي، ولم يعد بمقدورهم تحمل المزيد.. وقد أشاد الرئيس ببطولاتهم وتضحياتهم في سبيل استقرار الوطن، واجتيازه المرحلة الحرجة التي يمر بها، وتسديد فواتير قديمة لأنظمة حكم تقاعست عن مواجهة المشكلات الحقيقية.. إيثارا للسلامة والسعي لكسب الشعبية والجماهيرية على حساب مستقبل الوطن.. وتصدير المشكلات إلى الأجيال القادمة.
كان المفترض أن تأتي المبادرات من الحكومة والمنظمات الأهلية الأقرب للناس، والتي تمتلك خريطة واضحة عن القري الأكثر فقرا.. وتتخذ خطوات عملية لتخفيف معاناتها، بدلا من الانتظار حتى يقدم الرئيس مبادرته عن توفير حياة كريمة للمواطنين الذين طالت معاناتهم، وتحملوا الاكتواء بنار الغلاء الذي شمل كل احتياجاتهم الضرورية، والتهم دخولهم المحدودة، بينما مؤسسات الدولة منحازة للقادرين ومتجاهلة هؤلاء الذين يعيشون تحت خط الفقر..
ويمثلون غالبية المصريين بعد أن انضمت الطبقة الوسطى إلى تلك الفئات غير القادرة، ولا أدري ماذا كانت تنتظر الدكتور غادة والي وزيرة التضامن ولديها خريطة واضحة عن الفقر في مصر، وهناك أكثر من ٣٢ مليون مواطن حرموا من التعليم الجيد، والتشغيل، وتدهورت أحوالهم الصحية.
لم تتحرك الوزيرة إلا بعد أن أطلق الرئيس مبادرته وتأكيده أن هذا العام سيشهد تحسين أحوال الفئات الأكثر احتياجا، لذلك التقت مع عدد من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية لتنسيق جهود تنفيذ المبادرة، وكذلك تحركت وزارة الإسكان لتوصيل المرافق للقرى المحرومة من الصرف الصحي، وكأنها اكتشفت فجأة أن هناك مدنا محرومة وليست قرى أو نجوعا.. وطالما أن التحرك كان ممكنا فلماذا الانتظار حتى يصدر الرئيس مبادرته؟!
المشكلة أن تقاعس هؤلاء المسئولين وافتقادهم القدرة على المبادرة بحل مشكلات المواطنين أقام أسوارا من العزلة بينهم وبين الناس وألقي أعباء عديدة على الرئيس الذي يلجأ إليه الناس لتخفيف معاناتهم سواء كانت كبيرة أو صغيرة، لأنهم أدركوا أنه لا جدوى من اللجوء إلى غيره من المسئولين، ولم يعد مستغربا أن يناشد البسطاء رئيس الجمهورية ليضبط إيقاع الشارع المنفلت أو ليحل مشكلة المرور، أو يضرب بيد من حديد على التجار المستغلين.. وهي مشكلات يمكن حلها عن طريق الأجهزة المعنية، وليس الرئيس، ولو لم يبادر فلن تحل مشكلاتهم.