حكاية «هايدي» والحاجة «دلال»
"هايدي" والحاجة "دلال" صديقتان وجارتان لسنوات طويلة.. "دلال" في الثمانين من عمرها، لم يرزقها الله الولد ومات والداها وإخوتها، ولم تجد سوى "هايدي" جارتها في منتصف الأربعينيات التي بمثابة ابنة لها.. عندما تزور الحاجة "دلال" تجد "هايدي" تفتح لك الباب بابتسامة بشوشة.. وبساطة متناهية.
تتصل الأبواب لتصبح بابا واحدا.. فقد ذابت حواجز السكن وتلاشت الحوائط.. من يعرف "هايدي" لا بد أن يعرف الحاجة "دلال"..
ومن يعرف "دلال".. من المؤكد أنه يعرف "هايدي"!
رغم أنهما ليسا قريبين لكن من يراهما ويجلس إليهما يكاد يجزم أنهما البنت وأمها.. أو البنت وخالتها.. حالفنى الحظ أن أكون في زيارة للحاجة "دلال" لأنها قريبة لزوجي في محافظة المنيا.. للوهلة الأولى ظننت أن "هايدي" لا محالة هي ابنة الحاجة "دلال".. ولكننى أعرف جيدا أن الحاجة "دلال" ليس لها أبناء وتعيش وحيدة بين عدد من الخادمات يتناوبن على خدمتها.
لكننى لمحت في نبرات "هايدي" اهتماما منقطع النظير، وفي نبرة صوت الحاجة "دلال" حنانا متدفقا لا مثيل له. هذه التعبيرات الإنسانية الفياضة هزتني لكنني اعتبرتها قد تحدث في زمن طغت فيه المادة، وغيمت عليه كل المشاعر السلبية، التي نراها في قتل واغتصاب وتعذيب لأطفال أبرياء.
وفي يوم 6 يناير والذي يوافق عيد الميلاد المجيد وتحديدا في مساء ذلك اليوم حيث يجتمع الأهل والأصدقاء للاحتفال وتناول الولائم والذهاب للكنيسة أصيبت الحاجة "دلال" بارتفاع حاد في درجة الحرارة وحمى جعلتها لا تدرى بنفسها، ولم تجد سوى "هايدي" لكي تبيت معها.. تسهر على راحتها.
وما بهرني حقا أننى اكتشفت أن "هايدي" سيدة مسيحية، لم أعرف إلا في ذلك اليوم هذه المعلومة، عندما علمت من أحد أقارب الحاجة "دلال" أن هايدي فضلت أن تبقى لجوار "دلال" ولا تذهب للكنيسة، ولم تشارك أهلها عيدهم لأن الحاجة "دلال" لم يكن هناك من يخفف عنها.
كان هذا السلوك الذي تفعله هايدي في كل مرة تحتاج "دلال" إلى وجودها بجوارها خاصة في حالات المرض، وكأنها تقوم بأمر تحبه بل تعشقه.
توقفت كثيرا أمام هذه العلاقة الإنسانية الرائعة وفاجأتني على الجانب الآخر حادثة وضع المتفجرات التي قام بها أحد الإرهابيين على سطح أحد المساجد، وبالقرب من الكنيسة في أيام عيد الميلاد المجيد، كان ذلك في صباح نفس اليوم الذي اختارت "هايدي" أن ترافق "دلال" في لحظات ضعفها.
ولا تتركها أبدا حتى يأتي الطبيب في اليوم التالي يوم 7 يناير، ويكون أحد من أهلها قد جاء ليبقى معها.. وحاولت أن أضع نفسي مكان إخوتنا المسيحيين وشركائنا في الوطن.. وإحساسهم بشىء من الحنق على من يريد أن يسرق فرحتهم بأعيادهم، ولكن عزائى الوحيد أن من حاول أن يفكك القنبلة وينقذ الأبرياء ضابط مسلم وهو الشهيد مصطفى عبيد.
ورغم محاولات أعداء الوطن لأحداث شقاق وفتنة بين المصريين، فإن هذه المحاولات لا نرد عليها بكلام منمق وخطابات رنانة إنما ترد عليها مئات بل آلاف السيدات مثل "هايدي".. وآلاف الرجال مثل الشهيد "مصطفى عبيد".. هؤلاء هم أبناء مصر، لا فرق بينهم فالديانة هي جنسيتهم المصرية.
واستقرار الوطن هو أسمى غاياتهم.