لبيب معوض.. «آخر الحبات في عقد الزمن الجميل»
«كاتم الأسرار» و«أفوكاتو المشاهير»، و«شيخ المحامين» ألقاب عديدة للمحامي الكبير لبيب معوض، الذي وافقته المنية مساء الإثنين، بعد صراع طويل مع المرض، بعد ما يقرب من 70 عامًا حارب فيها بعبقرية ولسانًا فصيحا الظلم والرجعية، منتصرًا للفن والإبداع والكلمة.
يروي المحامي الفذ في أحد لقاءاته أنه انزعج عندما هشمت ليلى مراد كاميرا أحد المصورين في أخبار اليوم قدمه إلى مكتب «لبيب» بصحبة صحفي مرموق، عندما أخبرهما أحد أن مكتبه سيشهد واقعة طلاق المخرج فطين عبد الوهاب وليلى مراد، فبرغم أنه لم يخبر أحد سوى المأذون بطبيعة الحال، لم يمنعهما من دخول مكتبه، وأعرب عن استيائه من موقف ليلى مراد من المصور والكاميرا في رمزية لإهانة الكلمة.
المسيحي الذي رتل القرآن الكريم منذ سن صغيرة، وكان يقول دائمًا: "القرآن الكريم انحنى أمامه وأمتني، وأقبله تقبيلا"، كما قال: "الشريعة الإسلامية فوق الرءوس ولا مساس بها، وما دون ذلك فقابل للتفاوض والنقاش"، فتتلمذ منذ الثامنة على يد مكرم عبيد، ومصطفى مرعي، عمالقة المحاماة في ذلك الوقت، من خلال حضور مرافعاتهم بانتظام، دون أن يلتفتا إليه.
محمد عبد الوهاب كان تميمة حظه، وسرعان ما ذاع صيته وأصبح أشهر محامي في عالم الفن والأضواء، آمن به ورشحه للسيدة أم كلثوم، فأصبح محاميها الخاص منذ ذلك الخير، ومن بعدها عبد الحليم حافظ، وسعاد حسني وغيرهم كثيرون، قال عنه موسيقار الأجيال: «إذا كان في مصر عبد الوهاب وأم كلثوم في الغناء، فلبيب معوض أم كلثوم وعبد الوهاب المحاماة"، جاء هذا التوصيف لبلاغة أسلوبه وعباراته الرشيقة التي كان يستخدمها في مرافعاته، للحد الذي كان يطلب فيه النجوم والفنانين منه إعادة قراءة مرافعاته أثناء تجمعهم لعذوبتها وبلاغتها.
علاقة صداقة خاصة جمعت بين لبيب معوض وعبد الوهاب، قال عنه الأول: "خير من قابلته في الحياة، فهو أصدق الأصدقاء، هو صديق استثنائي، وأقربهم إلى قلبي وعقلي، فهو صاحب الذكاء الهادئ والمستمع الجيد، بل هو صديق المنطق، يقبل كذبك إذا كان متسما بالمنطق، لذلك فهو يحب المناقشة، ويؤمن بأن الكلمة أقوى سلاح بالحياة".
لمع نجم لبيب معوض، وأصبح أشهر محامي مصر والوطن العربي، وكان له مكتبه كبير تعمل به زبيدة ثروت رغبة في إرضاء جدها المحامي المرموق الرافض لعملها كممثلة، فقرر أن تجمع بين المهنتين، وأرسلها جدها إلى مكتب لبيب عوض، إلا أن الموكلين كانوا يتزاحمون في المكتب للحديث عن حياتها وأعمالها الفنية لساعات، وينسون الحديث في قضاياهم، وهو ما اضطر لبيب معوض لفت نظرها أكثر من مرة "احنا هنا بتشتغل مش بتطلع" إلا أن كل محاولات «معوض» و«الجد» لاستمرار زبيدة ثروت في مهنة المحاماة بات أمرًا مستعصيًا، حتى استغنى عنها بعد محاولات مضنية للباقي، ومن بعدها سارا كلاهما أصدقاء.
لبيب معوض الاسم البراق الذي عاصر لحظات نجاح وازدهار وانكسار الفنان، وكان دوما لهم مخزن الأسرار والناصح الأمين والصديق الوفي، فصادق محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وزبيدة ثروت، وفريد الأطرش، وسعاد حسني، وعادل إمام وغيرهم الكثير، ورحل وهو لا تزال في سحارة ذكرياته الكثير دون أن يبوح عنها.