رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلامية والباحثة رباب كمال : تجديد الخطاب الديني لا يهدف لمواجهة أيديولوجيا السلفيين والإخوان فقط

فيتو

  • معركة التنوير ليست حكرًا على جهة أو مؤسسة والمعركة تربح الكثير إن انحازت الدولة لها
  • يجب على الخطاب الليبرالي الثقافي نفسه التخلص من غبار الأسلمة
  • لن يفلح الإسلاميون بخطاب إصلاحي والليبرالية الإسلامية «أفكار مشوشة» 
  • قضايا المرأة والأقليات العقائدية يصعب التمييز فيها بين الوسطية والتشدد 

العلمانية لا تملك مالًا ولا سلاحا، بل فكرًا يؤسس لمنهجية الحجة بالحجة، هكذا تؤمن الإعلامية والباحثة رباب كمال صاحبة مؤلفات: «من وحي العلمانية»، «دولة الإمام»، «نساء في عرين الأصولية»، في مجمل تصوراتها تبشر «رباب كمال» بدولة الحداثة، وتواجه الفكر الأصولي، انطلاقا من قواعد العقل والتنوير، وتطالب جميع المتحدثين باسم الدين بتجديد ما يسمى بالخطاب الديني وليس التيارات الدينية وحدها، ففاقد التجديد لا يعطيه، على حد وصفها، ومن هنا سألناها في مستهل حوارها لـ "فيتو":

•هناك الكثير من الإشكاليات التي تواجه ما يعرف باسم «تجديد الخطاب الديني».. ما أهمها في رأيك؟
في اختزال القضية بشكل كبير في تبني الأئمة لعبارات تدل على مرونة الفتوى، والتجديد، ومسايرة الزمان والمكان، مع أن الفتاوى ذاتها قد لا تكون كذلك.

• بعض المثقفين يرون صعوبة في التفرقة بين الخطاب الديني الوسطي المتشدد إزاء قضايا بعينها.. برأيك ما أهم القضايا التي تثير هذه الإشكاليات؟
قضايا المرأة والأقليات العقائدية تحديدًا من أكثر القضايا التي قد يصعب فيها التمييز بين الخط الوسطي والخط المتشدد، فالاختلاف هنا في الدرجة لا النوع، كما قال المفكر المصري الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه "نقد الخطاب الديني".

• بمناسبة المفكر الراحل فرج فودة، كان قد ألف كتابا أسماه حتى «لا يكون كلاما في الهواء»، وحذر فيه من تحول الحديث عن تجديد الخطاب الديني إلى مجرد كلام في الهواء، من أي منصة يجب أن يبدأ التجديد، وهل مناهضة الفكر الإخواني والسلفي هو المطلب الوحيد، أم الخطاب بشكل عام؟
فاقد التجديد لا يعطيه، وتجديد الخطاب الديني ليس الهدف منه مواجهة أيديولوجيا السلفيين والإخوان فقط، وإنما من مناهج الأزهر ومراجعتها، لتبدأ من أروقة الأزهر، فمن لا يستطيع تجديد مناهجه، كيف سيجدد خطابا دينيا!

• ولكن هناك من يدافع عن ما يسمى بـ«الخطاب الديني الوسطي» من داخل الأوساط الثقافية، ويراه يبتعد بمسافات طويلة عن السلفي والإخواني والجهادي.. لماذا ترفض كتاباتك هذه الرؤية؟
الخطاب الوسطي قد يكون أقل تشددًا، لكنه ليس سمحًا بالضرورة، هو يتبنى خطابًا مهادنًا، يعتمد على ترك الأحكام في يد أولى الأمر بضوابط شرعية، والثاني خطاب مسلح، لا يعترف بأولي الأمر من الحكام، ويعدهم من الطواغيت، فالوسطية لا تعني رفض التكفير، لكن العمل وفق ضوابطه، وهنا تحدث الأزمة في المصطلحات، فالتكفير في إطاره العام يتناقض مع فكرة التعايش والتسامح والاختلاف في الرؤى، لكن التكفير لا يتناقض بالضرورة مع كلمة وسطية، لأنها لا تعني التسامح أو التعايش بالضرورة، وإنما تعني المنطقة الوسط بين الإفراط في شيء والتفريط فيه، كما أشار الدكتور عبد الله الجبرين.

• «التنوير» معركة مَن بالأساس.. الدولة أم النخب الثقافية؟
معركة التنوير ليست حكرًا على جهة أو مؤسسة، أو مجموعة أفراد أو كيانات بعينها، يجب أن تكون معركة الدولة والنخبة الثقافية معًا، فالمعركة تربح الكثير بالطبع إن انحازت الدولة لها.

• ما يسمى بـ«الخطاب الإسلامي الليبرالي» يراه البعض بديلا معقولا.. ما رؤيتك له؟
هو نوع من التلفيق الإصلاحي، وينتج عنه خطاب مشوه، يعكس تشوش مفاهيمهم عن الدولة والديمقراطية والحكم، بأي حال لن يفلح الإسلاميون بخطاب إصلاحي ذات صبغة ليبرالية عن الذات أو الدين والدولة.

• لماذا؟
لأن الديباجات الليبرالية المصحوبة برؤى إسلامية ليس لها معنى، ولا تنتج إلا خطابًا وقتيا وظرفيًا، محكوم بما يستجد لا بشاغل نظري حقيقي.

• كيف يتغلب الخطاب الحقوقي والثقافي على الخطاب الديني المتزمت ويحمله على التغيير؟
أن لا يذعن ولا وينصاع له، أو ينتظره حتى يتجدد، بل يحمله على التغيير ومواكبة متطلبات العصر، ولكي يحدث ذلك يجب على الخطاب الليبرالي الثقافي نفسه التخلص من غبار الأسلمة، الذي لحق به على مدار السنوات الماضية، وتجنب الدخول في مزايدات دينية، تجعلهم في حالة إنكار مستمر لقيم الحداثة.

• توجهين بعض الانتقادات أيضا إلى التيار العلماني وخاصة الذي يمارس السياسة.. لماذا؟
لأنه يجب أن لا يبنى تأييده للسلطة على مجرد مكايدة الإسلام السياسي، ولا يعني ذلك أنه مطلوب منه معارضة السلطة بشكل مطلق، ولا تأييدها بشكل مطلق، وإنما المطلوب دعم مدنية الدولة، ورفض المواقف التي لا تدعمها، فالتأييد أو الاختلاف يكون حسب الموقف، لا الأشخاص الذين ننحاز إليهم، والتأييد والمعارضة يجب أن يكونا في إطار تقديم رؤية.

• البعض يسعى لتحويل العلمانية إلى مشروع إسلامي جديد يكون رأسه «مرشد للتنوير».. هل هذه الممارسات في صالح الفكرة؟
لا بالطبع، قوة التيار ليس في تدشين أخوية علمانية، وإنما في اختراق المجتمع بالفكر الذي يدعم دولة المواطنة، وهو أمر عسير، وسيتطلب سنوات وعقود من العمل، فالهدف ليس العلمانية وإنما الوطن، العلمانية وسيلة ورؤى فقط عن كيفية البدء في التفكير بالحلول، فإذا تحولت العلمانية إلى دين أو مقدس، ستُنسف الفكرة التي نشأت منها وعلى أساسها.

• البعض يرى التيار العلماني يحصر نفسه في قضايا الحريات الفكرية فقط.. كيف يخرج من محاصرة نفسه بهذه الزاوية فقط؟
بخوض تجارب منظمات المجتمع المدني، والاهتمام بقضايا مجتمعية أخرى، قضايا الحرية الفكرية ضرورية بالطبع، ولكن لابد من تبني قضايا مجتمعية وتنموية، لا تجعل التيار العلماني منفصلا عن واقع الشعب المصري.

• لماذا تصاعدت حدة العنف اللفظي تجاه الفتيات بشكل عام وخاصة غير المحجبات؟
أسباب عدة في مقدمتها انعدام الأخلاق، والآثار النفسية الناتجة عن تنشئة أجيال بأكملها على مفاهيم عورة المرأة والفتنة التي توقظها لدى الرجال، ولاسيما الصالحين منهم في الخطاب الأصولي.

• لماذا تعيش المنطقة العربية دائما حالة من التوجس تجاه الفكر والفن والإبداع؟
الأسباب أمنية وعقائدية، فالثقافة المجتمعية التي نحاول التصدي لها تشيع أن حرية الفكر شطحات كُفرية أو أفكار تهدد الأمن المجتمعي، وليس الثقافة المجتمعية وحدها، بل التشريع العقابي الذي جعل من المادة 98 من قانون العقوبات (المعروفة بازدراء الأديان) مادة مطاطية حاكمت الأدباء والكُتاب، وتمت المصادرات تحت ذريعة الأخلاق والتدين.

والرقابة على الفكر والفن والإبداع ليست حكرًا على زماننا، ودائما ما كانت تصادر الفنون على مدار الزمان والمكان، لكن هناك بلدان كثيرة سبقتنا بالخروج من هذه الأزمة، الفارق الوحيد الذي استجد علينا في الألفية الثالثة بسبب التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، هو أن بعض البلاد العربية تحررت بشكل نسبي، وهو ما نلحظه في الكتابات الشبابية في أوساط غير نخبوية.
الجريدة الرسمية