محمد كعربان يكتب: هكذا كان صوت الله
راح المداحون ينشدون في حب تلك الديار، ولم يكونوا بأحسن حال من الكتاب والأدباء الذين ظلت أقلامهم تخط في حب تلك البلاد.
أما الشعراء فكان لهم حال آخر فراحت أذهانهم بعيدًا، فأبدعوا في وصف الدور والشجر والطيور، وكذا تغزلوا في التراب والهواء والماء والسماء، فكل شبر من تلك الأراضي نال حظ ونصيب من الثناء والمديح.
مصر
نعم إنها مصر، صاحبة الطباع الفرعونية، واللسان العربي، والهوية الدينية بكل الديانات السماوية، فاليهودية حلت بتلك الأرض أزمانًا، والمسيحية عانقت قلوب أهل البلاد أزمانًا، ولكن بعد الفتح رفرف بريق الإسلام أزمانًا تلي أزمان، هذا بعض مما حبا الرحمن به تلك البلاد والدور، ولعل من أجمل ما ورد ذكره بالقرآن: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، فكان الأمن والأمان للضيف والمضيف.
هكذا كان صوت الله
ولكن بعد تفكير عميق في أهمية تلك الأراضي والبلاد، ودورها في مختلف العصور والأزمان، ودفاعها عن العروبة تارة والإسلام تارات آخر، فلقد كان ذلك من فضل الله على تلك البلاد والعباد، وكذا تفضيل الله لها على معظم البلاد، فلقد حبا الله تلك الأرض بقعة لم تتشرف مثيلاتها على ظهر الأرض بما تشرفت به، وعلي وجه التحديد طور سيناء المقدس الذي جعل الله فيه شجرة تنبت بالدهن وصبغ للآكلين، ليس هذا فحسب، بل حينما عاد النبي موسى بعد الفرار، وكان قد عاد سائرًا على قدميه بأهله، فآنس من جانب الطور نارًا، فقال لأهله امكثوا فانطلق إلى تلك النار، فكانت المفاجأة أن وجد الله يدعوه ويناديه، ولم يسمع ذلك الكلام إلا موسى وتلك البقاع الطاهرة.
فخلد القرآن تلك الذكرى حينما قال: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (30) سورة القصص"، وكذا أيضا حينما طلب النبي موسى أن يري ربه، فكان الجواب أن تجلى الله على ذلك الجبل، ولم يتجلِ سبحانه على غيره مطلقًا.
فليس بغريب أن تكون تلك الأرض ذات التقديس المبارك والتي حل بها الأنبياء وزارها الصحابة الكرماء، ودفعت بجيل تلو جيل من الشهداء، ودفعت الثمن غاليًا للدفاع عن العروبة والإسلام، فمثل تلك البلاد تستحق كل خير وعطاء، دامت مصر آمنةً ورحم الله الشهداء.