رئيس التحرير
عصام كامل

في محبة أقباط صنعوا التاريخ.. يسرية لوزا «نضال من الإنسانية»

يسريه لوزا
يسريه لوزا

في قائمة أقباط صنعوا التاريخ التي نشرتها "فيتو" في عددها الأخير احتفالا بثماني سنوات على صدورها والذي تزامن مع احتفالات أعياد الميلاد، تربعت السيدة يسرية لوزا على رأس القائمة ليس فقط لكونها أما لأشهر رجال أعمال بمصر، ولكن لدورها المجتمعي البارز.


فهى سيدة ليبرالية وأم استثنائية، تبنت قضية الوطن والإنسان، حلمت بالمدينة الأفلاطونية الفاضلة.. مدينة تُحترم فيها آدمية الإنسان وتصان كرامته، حطمت التابوهات، وأثبتت بإيمان عميق، أنه ليس من الضروري أن تكون في موقع رسمي حتى تضع نفسك أمام مسئولياتك الوطنية والمجتمعية تجاه الطبقات الفقيرة والفئات المهمشة، تلك الأرستقراطية التي انتصرت لعوام المصريين، فاستحقت أن تكون واحدة من الرائدات المصريات اللاتي سطرن أسماءهن بحروف من نور عبر صفحات التاريخ، منضمة لقائمة المناضلات من أجل التغيير.

السيدة يسرية لوزا ساويرس، والدة المهندس نجيب ساويرس، رجل الأعمال الشهير، وإحدى الرائدات اللاتي خضن مضمار العمل العام منذ سبعينيات القرن الماضي، تماست مع القضايا الاجتماعية المتشابكة التي تشغل الشارع المصري، وآمنت أن التنمية بمفهومها الشامل، هي إحدى أهم مقومات المجتمع العصري الواعي، وهو الأمر الذي أدركته المؤسسات الدولية والأممية، بعد ثلاثة عقود من الزمن وإعلانها عن الأهداف الستة عشر للتنمية المستدامة.

كانت لوزا صاحبة فكرة إنشاء مدرسة «ارتقاء»، وهي أول مدرسة من نوعها في‮ ‬مصر، وتعمل على رفع كفاءة جامعي‮ ‬القمامة، وتدوير المخلفات بمنطقة منشية ناصر والمقطم، فضلا عن أنها مؤسس ورئيس مجلس إدارة تعزيز الخدمات المتكاملة وتدوير المخلفات «SAE»، انطلاقًا من سعيها لخلق بيئة آمنة ونظيفة، وتأكيدًا على أن المخلفات من ثروات مصر المهدرة، التي عجزت الحكومات عن استغلالها وتطويعها، فباتت تجربة «لوزا» نموذجًا يشار إليه في الفعاليات الدولية ذات الصلة بتدوير المخلفات، التي لم تغفل معه البعد الإنساني، وهو ما يسرده أصحاب تلك المناطق والمستفيدين من التجربة الرائدة.

الارتقاء بصحة وتعليم المواطن المصري، كان شغلها الشاغل وعلى رأس أولوياتها، فأسست جمعيات عدة ذات صلة ومنها «جمعية حماية البيئة من التلوث، والجمعية المصرية لرعاية الكبد، والجمعية المصرية لأطفال الشوارع»، كانت من ضمن المبادرات البناءة التي أطلقتها السيدة يسرية ساويرس، والتي تعمل على تأهيل الشباب لسوق العمل، وتمنحه مقومات ومهارات الباحث الأمريكي العالمي، منحة لخمس جامعات أمريكية من أشهر جامعات العالم لدراسة العلوم السياسية، والاقتصاد، والهندسة، والموارد المالية والإدارة».

التعليم ما بعد الجامعي كان له نصيب كبير من خطة تلك السيدة الاستثنائية، في طريق تحقيق أهدافها للارتقاء بالشباب ورفع وعيه وقدراته، فأطلقت منحة يسرية لوزا ساويرس لدراسة التنمية أو ممارسات التنمية في جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي تخرج منها عشرات الشبان المصريين من قرى ونجوع مصر من أدناها إلى أقصاها.

الصعيد كان حاضرا دائمًا في قلب لوزا، همومه ومشكلاته حاضرة وبقوة، فتبنت إستراتيجية واضحة لإعمار قرى الوجه القبلي، وترميم الإنسان، مؤخرًا أعلنت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، والتي تشغل منصب الأمين العام لها، عن تخصيص 40 مليون جنيه ميزانية تقديرية لخلق 20 ألف فرصة عمل للشباب والمرأة المعيلة، وذوي الاحتياجات الخاصة بمحافظات الصعيد من خلال تمويل وتنفيذ مشروعات، فضلا عن تدشين مبادرات «مستقبل أفضل لأطفال المحاجر»، «مدارس من أجل مصر»، «التدريب من أجل التوظيف»، و«الإقراض الصغير».

وراء كل ابن عظيم أم أعظم، وليسرية لوزا، ثلاثة أبناء أسماؤهم ملء السمع والبصر، هم المهندس نجيب ساويرس، رجل الأعمال الشهير، وسميح ساويرس، رئيس شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية، وناصف ساويرس، الرئيس التنفيذي لشركة أوراسكوم للصناعات الإنشائية.

وفي ظهور نادر للسيدة يسرية، عبرت فيه ببساطة شديدة عن الثوابت الواضحة التي زرعتها في أبنائها، حتى وصلوا إلى مصاف كبار رجال الأعمال في الشرق الأوسط بل العالم، تقول: «علمت أولادي يخافون الله ويحبونه ويحبون الجميع، وأن يكونوا صادقين في كل أعمالهم، وعلمتهم الجد في العمل، أما نجاحهم فهو من فضل ربي».

بعيدًا عن الأضواء والشاشات تعمل "لوزا" في هدوء لاستكمال أحلامها السامية، فبرغم من أنها تقلدت العديد من المناصب وعلى رأسها، عضوية مجلس الشعب من ١٩٩٥ وحتى ٢٠٠٠، ونتيجة لإسهاماتها في مجال تمكين المرأة والاهتمام بحقوق الطفل، عينت عضوا بالمجلس القومي للمرأة، وأيضًا المجلس القومي للأمومة والطفولة، وعملت في مؤسسة فورد -المكتب الإقليمي بالقاهرة، في مجال الإدارة المالية، وهي الآن الأمين العام لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، وعضو مجلس إدارة المعهد الفنى للتمريض بالجونة، وعضو مجلس إدارة وكالة تنظيم مياه الصرف الصحي،وعضو في مجلس إدارة الجمعية التعاونية للتنمية ecumenical والتي تعرف باسم مؤسسة الأسهم الدولية أويكوكريديت، وبرغم من أتلال المسئوليات، إلا أنها لا تدخر وسعًا في أن تظل في قلب الميدان تتماس مباشرة مع أوجاع الشارع وهمومه وتطلعاته.

حاصدة الجوائز، هكذا تستطيع أن تطلق على يسرية لوزا، فهي الحاصلة على جائزة Global Women’s Leadership Award في عام 2006، وجائزة “النساء القياديات”وجائزة التميز من منظمة أشوكا الوطن العربي في عام 2009، ومنحتها أيضًا الجامعة الأمريكية في القاهرة الدكتوراه الفخرية في عام 2014.

كثيرون من المعنيين بمجال التنمية الاجتماعية، ثمنوا التجربة الرائدة ليسرية لوزا ساويرس، فيقول الدكتور ولاء جاد الكريم، رئيس مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، صاحبة الصفة الاستشارية بالأمم المتحدة: إن السيدة يسرية نمودج فريد يحتذى، كأول سيدة أعمال، استشعرت المسئولية الاجتماعية، واتجهت إلى تمويل العمل الأهلي بمختلف مجالاته في الوقت الذي يقتصر فيه دور رجال الأعمال على دعم وتمويل الأنشطة المجتمعية على الجوانب الخيرية فقط، مؤكدًا أنها سيدة من طراز فريد، لديها ثقافة مصرية أصيلة، ووعي وإدراك بأهمية العمل الأهلي، وطبيعة القضايا الملحة التي تشغل وتؤثر على المواطن المصري، ومنها التعليم والصحة والتوعية المدنية.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية