رئيس التحرير
عصام كامل

في محبة أقباط صنعوا التاريخ.. كمال الملاخ عاشق سارح في ملكوت السياحة والآثار

كمال الملا
كمال الملا

حينما أرادت "فيتو" الحديث عن قبطي له دور في حماية وحب الآثار المصرية برز اسم كمال الملاخ، كواحد من الأقباط الذين صنعوا التاريخ واستحقوا الإشادة بهم في احتفال "فيتو" بعيدها الثامن، المتزامن مع احتفالات أعياد الميلاد.


ومن باب الآثار لحق كمال الملاخ بقطار الصحافة، كان عاشقا لعلم المصريات، وقضى سنوات طويلة من عمره في دهاليز المقابر الأثرية، وحين أتيحت له فرصة الكتابة في واحدة من أعرق الصحف في الشرق الأوسط (جريدة الأهرام) تفجرت موهبته على صفحاتها، وصار اسمه علما من أعلام المهنة.

بدأ الملاخ رحلته العملية منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة عام 1943، أمضى مشواره راهبا في محراب الصحافة والفن والآثار، فكان شخصية فريدة من نوعها، في الصحافة استطاع أن يجعل جريدة الأهرام تُقرأ من الصفحة الأخيرة التي كان يكتب عنوانها بخط يده، وما زال موجودا إلى يومنا هذا (من غير عنوان)... قدم فيه الخبر القصير والصورة الجريئة.

وفى مجال الآثار كان عاشقا ولهانا فقام بدراستها للحصول على دبلوم عال في الآثار المصرية مثل كل العلماء الأوائل أمثال سليم حسن وأحمد بدوى وغيرهما، وكان محبا للمعرفة متشعبا فيها، حتى أصبح مهندسا ومديرا للأعمال بمناطق الآثار، وفى نفس الوقت يدرس الآثار.

عمل في أماكن عديدة في صعيد مصر ودلتاها مغرما بالآثار، واستقر أخيرا مديرا للأعمال في منطقة الهرم وأبو الهول، وفي أثناء عمله اكتشف مراكب الشمس وهو الاسم الذي أطلق على مركب الملك خوفو صاحب الهرم الأكبر عام 1954، ويعد اكتشاف مراكب الشمس أهم الاكتشافات الأثرية في مصر والعلم في عصرنا الحديث منذ تاريخ الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبى توت عنخ آمون، فهى أقدم مركبة خشبية عثر عليها في حالة حفظ جيدة منذ 45 قرنا من الزمان.

كما كان كمال الملاخ أول مصرى يرمم تمثال أبو الهول، وأيضا استخدم كل خبرته مشاركا في نقل معابد فيلة وأبو سمبل إلى موقعهما الجديد الذي تحتلانه الآن، وجعل للآثار أبوابا ثابتة في الإذاعة والتليفزيون والسينما، فهو صاحب فكرة مهرجان السينما في كل من القاهرة والإسكندرية ومهرجان الأفلام التسجيلية للفنون الأفريقية بأسوان إضافة إلى بينالى القاهرة.

طلب منه الصحفى أحمد الصاوى محمد وقت كان رئيسا لتحرير الأهرام العمل كرسام للجريدة، وتم تعيينه على هذه الوظيفة بالفعل، وكذلك عين أنيس منصور رساما، ونظرا لطريقة مظهره وتسريحة شعره الذي يعطيه شكلا فريدا أطلق عليه الكاتب الساخر أحمد رجب اسم "الإله رع"، وقال عنه الأثرى الدكتور زاهى حواس:"كان كمال الملاخ شعلة في النشاط، وكان يمشى في شوارع القاهرة كأنما فرعون خرج من مقبرته يتفقد الشوارع والمبانى، يسير بعزة وقوة وشموخ وافتخار بمصريته، وكان صديقا لكل نجوم المجتمع"، وأضاف حواس: "عندما بدأت عملى بالآثار وأنا شاب قابلت الملاخ للمرة الأولى، وانبهرت بشخصيته، وكنت أقوم وقتها بأعمال الحفائر بموقع (كوم أبوللو) بالبحيرة، وكانت هناك اكتشافات كبيرة فكتب عنى، وأطلق على لقب الأثرى الشاب، وبدأ يقدمنى إلى زملائه وأصدقائه وعن طريقه تعرفت على الأدباء توفيق الحكيم وأنيس منصور وغيرهم وقابلت صلاح جاهين أيضا وكان الملاخ يقدمني على أننى صديقه وأنا ما زلت شابا صغيرا، وأذكر حادثة وقعت لى معه فمنذ أكثر من نصف قرن في السبعينيات وفى مكتبه بالأهرام كنت أتساءل كيف لهذا العملاق أن يجلس كل هذا الوقت مع شاب ما زال يخطو خطواته الأولى في عالم الآثار الذي يعجب به ويهتم به كثيرا بل ويعشقه.. وبينما كنت معه دخلت علينا يومها فنانة شهيرة فقابلها بكل احترام، لكنه قال لها إن موعدك بعد 15 دقيقة، أرجو أن تنتظرى في الحجرة المجاورة حتى انتهى من لقاء ضيفى زاهى حواس".

وأكمل حواس: "أتذكر مكالمة لم أنسها ما حييت دارت بينى وبينه قبل يومين من رحيله، حيث كنت في طريقى إلى مدينة دنفر لحضور افتتاح معرض الملك رمسيس الثانى، وفى ليلة سفرى تحدثت إليه أكثر من ساعتين تجاوزت فيها إلى الثانية عشرة مساء، وهو الذي تعود أن ينام قبل العاشرة مساء، وكان حديثه لى مليئا بالشكوى والألم والحسرة على جحود الأصدقاء، وخوفه الوحيد عن الذي سوف يضيع منه ـــ ويعنى بذلك هنا مركب خوفو ـــ وكانت شكواه رحمه الله أن هناك مشروعا علميا يشرف على تنفيذه الدكتور فاروق الباز، بالتعاون مع الجمعية الجغرافية للكشف عن حفرة المركب الثانى، كان حزن الملاخ بسبب عدم وجوده ضمن فريق البحث، وظل يشكو كثيرا ويعرض قضيته على وزير الثقافة وقتها وعلى المسئولين لكن دون جدوى، وما كان يحزنه أكثر تجاهل من كانوا يلهثون وراءه متمنين رضاه، وقت أن كان يتولى رئاسة الصفحة الأخيرة بالأهرام، أما وقد أصبح على المعاش فتركوه دون أدنى اهتمام، حاولت تهدئته فقلت له إننا يجب أن نتعلم من المصرى القديم، وإن الحق لا يضيع أبدا.. لكن ذهب كلامى كله أدراج الرياح، لأن الملاح أحس أن ابنه سوف يبتعد عنه وأن الأبحاث التي كانت تجرى بالحفرة الثانية سوف تتم دون وجوده، لذلك فضل أن يرحل بعيدا عن عالمنا".

"نقلا عن العدد الورقي"...
الجريدة الرسمية