رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى الرجل الذي سب الملك!


"لما عدمنا بمصر الملوك
جابوك الإنجليز يا فؤاد قعدوك
تمثل على العرش دور الملوك
وفين يلقوا مجرم نظيرك ودون
وخلوك تخالط بنات البلاد"!


بهذه الأبيات استقبل وهو في منفاه الثاني خبر تحول مصر من سلطنة إلى مملكة وتعيين فؤاد ملكا على مصر.. لم تكن المرة الأولى ولا الثانية التي يهاجم فيها "بيرم التونسي" الملك.. هاجمه مرارا واستطاع الملك نفيه فقط عندما ألغيت الحماية الفرنسية على مصر، حيث كان للأجانب حصانة من المحاسبة فضلا عن المحاكمة، وكان وقتها لم يحصل على الجنسية المصرية رغم ولادته في مصر!

و"بيرم التونسي" يحيرك أن قررت الكتابة عنه.. فلا تعرف من أين تبدأ حتى لو عرفت إلى أين تنتهي!.. إلا أن المؤكد أنه واحد من أساطير الأدب والشعر والغناء في بلادنا العربية.. واحد وستون عاما كاملة قضاها بغير محررات رسمية مصرية حتى أنصفته ثورة يوليو وحصل الجنسية المصرية عام 1954..

لكنه مصري الهوي والهوية والروح والحياة فمن مثله قال "أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الإهرمين.. جدودي أنشأوا العلم العجيب.. ومجرى النيل في الوادي الخصيب"..

ولذلك يفخر بمواقفه ضد عصر الملكية ويقول حرفيا "اشتركت في الثورة على طريقتي الخاصة لم أقذف بالحجارة ولم أحطم مصابيح النور وإنما نظمت مقطوعات فكانت أشد وأقوى من الحجارة بل ومن القنابل أيضا".

وكتب مبكرا مدركا حجم التحولات "اتركونا ننتفع من خير بلادنا مش بلادكم واسمحوا نسبك حديدنا مش حديدكم والسماد عايزين سمادنا مش سمادكم ياللي ناويين تدبحونا"!.. ولم يمنعه كل ذلك من يكون واحد من أهم مؤلفي عصره من أغانيه لأم كلثوم "أنا في انتظارك"، "أهل الهوى"، "هو صحيح الهوى غلاب"، "الأمل"، "غنيلى شوي شوي"، "يا صباح الخير"، "الورد جميل"..

"الأولة في الغرام"، "شمس الأصيل"، "الحب كده"، "القلب يعشق كل جميل"، إلى "أحبابنا يا عين"، و"بساط الريح" مع فريد الأطرش إلى "محلاها عيشة الفلاح" مع محمد عبد الوهاب وغيرها وغيرها، إلا أننا نتوقف عند عملين يستحقان التأمل الأول فيلم "عنتر ابن شداد" الشهير الذي قام ببطولته الفنان فريد شوقي، حيث كتب الفيلم بأغانيه عن قصة "محمد فريد أبو حديد"، وربما لم يره حيث توفي قبل الانتهاء منه عام 61..

والثاني هو المسلسل الإذاعي "الظاهر بيبرس" في عمل طويل حتى توالى عليه أكثر من مخرج منهم "السيد بدير" و"محمود السباع" يستحق عنه التونسي وبأثر رجعي أي عدد ممكن من الجوائز، وهو أحد كنوز الإذاعة المصرية ويتفوق اذاعيا - في تقديرنا- عن أي عمل سينمائي سجل فيه سيرة "الظاهر بيبرس" كبطل شعبي كبير.. والمدهش أن كل حلقة إذاعية كانت تضم على الأقل ثلاث أغنيات فضلا عن تأريخ الفترة كلها التي عاشتها مصر ضد عدوان الفرنسيين وحتى التتار إلى وفاة بيبرس..

اليوم تمر ذكرى رحيله الثامنة والخمسين ولم يزل يملأ الدنيا بإبداعه، ولم لا وهو من وصف أمير الشعراء أزجاله بأنها "تفوق العبقرية" وخشي عميد الأدب العربي "طه حسين" على الفصحى العربية من عاميته!
الجريدة الرسمية