كلنا أولاد قابيل
دماء هنا.. وصرخات مكتومة هناك.. استغاثة هنا.. وأنين مبحوح هناك.. عام مضى وأعوام كثيرة قادمة.. عام مضى بعد أن ترك الحسرة في قلوبنا.. والدموع الساخنة في عيوننا، فصراخ الألم المكتوم كان شاهد على قتل الزوج لزوجته وأولاده الثلاثة التي حدثت في كفر الشيخ ليلة 31 من ديسمبر، آخر ليلة من ليالى عام 2018.
وجاء باحثون عن أسباب جرائم القتل البشعة المخجلة التي نقرأها على صفحات الجرائد ونتلاقها على وسائل التواصل الاجتماعى.. ومهما كانت الأسباب قوية من وجهة نظر القاتل، فالثمن الذي دُفع كبير.. كبير جدا..
كلما قرأت عن جريمة صادمة غير مبررة أو غير منطقية.. لا أستغرب مثل كل علماء النفس والاجتماع الذين يفسرون بهمة واجتهاد الأسباب وراء بشاعة الجرائم وتطور وانتشار الجريمة في مصر، ومدى ارتباطها بالمستوى الاقتصادى أو الأخلاقى للبلاد..
الحقيقة أننى سوف أذكركم بأول جريمة حدثت في تاريخ البشرية.. ألم تكن جريمة قتل من الطراز الأول.. سواء على مستوى العنف أو درجة القرابة.. يوم أن قتل قابيل أخوه هابيل.. لم يكن على الأرض أناس يدفعونه ويوغرون صدره حقدا كما نحن الآن.. لم يكن لقابيل ما هو أقرب إليه من هابيل فهو الأخ والصديق والرفيق في حياة لم تبدأ ضغاؤنها بعد.. ورغم ذلك قتل قابيل هابيل بدم بارد غير نادم لحظة القتل وما قبلها..
أليست جريمة القتل الأولى في بداية الخلق تدفعنا لكى ندرك أن القتل على قدر بشاعته إلا أنه الجريمة الأقرب إلى الأذهان.. فكلنا أولاد قابيل القاتل.. فهابيل المقتول واراه الثرى..
ودعونى أقول إن الإنسان الذي يقدم على جريمة القتل مع سبق الإصرار لا يرى سواها سبيل للخلاص من كل مشاكله.. حتى ولو دفع أقرب الناس إليه الثمن.. حتى ولو شعر بالألم والندم.. لكنه لو عاد به الزمن فلا مجال للشك أنه سيختار في كثير من الأحيان نفس الخيار..
وبالطبع أقصد جريمة القصد والإصرار وليس القتل الخطأ..
والحقيقة أن كل التفسيرات التي يفندها الطب النفسى أو علم الاجتماع الأسرى أو غيره من العلوم المعقدة التي تسعى لتفسير أفعال النفس البشرية ربما لا تضع أيدينا على حقيقة النفس البشرية التي لا تزال في علم من خلقها..
ومن أكثر الإحصائيات المبشرة لنا كمصريين ترصد جرائم القتل والعنف الاسرى ترى أن مصر من الدول التي لا يحدث فيها جرائم القتل بصورة كبيرة، بل على العكس رغم كل الظروف الاقتصادية المتدنية إلى حد كبير والانفجار السكانى وتفشى ظاهرة أطفال الشوارع إلا أنها لم تصل لمستوى الدول الأعلى في نسبة جرائم القتل خاصة في أوروبا وأمريكا. والتي نعتبرها من الدول الأكثر تقدما في كافة المستويات..
دعونا نخلص إلى حقيقة ربما هي الأكثر قربا لتفسير الأسباب المنطقية لجرائم القتل.. أن النفس البشرية ربما تجد في جريمة القتل باعتبارها الجريمة الأولى في تاريخ الجنس البشرى رغم بشاعتها ورغم تغليظ عقوبتها بالإعدام في كثير من الأحيان إلا أنها الأقرب لطبيعتنا من أي جريمة أخرى.. كم انتى قاسية أيتها النفس البشرية... ومهما ارتقى الإنسان مازالت في نفسه نطفة دونية.. نعيشها في هذه الدنيا الفانية.. والله أعلم.