رئيس التحرير
عصام كامل

وزير التعليم بين أسطورة «سيزيف» وحمار «جحا»


الأسطورة الإغريقية "سيزيف" كان أحد أكثر الشخصيات مكرًا، حيث استطاع أن يخدع آلهة الموت "ثاناتوس" مما أغضب رب الآلهة "زيوس" فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح بذلك رمز العذاب الأبدي.


وكعقاب من الآلهة على خداعه، أُرغم "سيزيف" على دحرجة صخرة ضخمة على تل منحدر، ولكن قبل أن يبلغ قمة التل، تفلت الصخرة دائما منه ويكون عليه أن يبدأ من جديد مرة أخرى، وكانت العقوبة ذات السمة الجنونية والمثيرة للجنون التي عوقب بها "سيزيف" رمزًا أيضًا للعمل بلا طائل والعبثية المطلقة.

ومنذ عامين وعلى غرار "سيزيف" خرج علينا الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم مبشرًا بالحل السحرى لإنقاذ التعليم المصرى، وأعلن تغيير منظومة التعليم لتنافس الدول الكبرى، وأن أول أدواته في هذا الاتجاه هو (التابلت) الذي سيجلب النعم ويذهب النقم ثم يصدم الجميع بتأجيله لعدم البدء في التصنيع تارة ولكونه في المخازن تارة أخرى، وينتظر إعداد الشّبَكة، وكلها تصريحات إعلامية لا دليل رسمي على صحتها، وكأن الرجل قد أمن المحاسبة السياسية والقانونية عن إهدار أموال الدولة وتدمير منظومة بناء المواطن المصرى وتنشئته.

ثم توالت قرارات سيزيف المصري (طارق شوقي) المتضاربة والمتناقضة وكل منها ينفى الآخر بشأن لغز اختفاء التابلت ونظام امتحان الصف الأول الثانوى وما إذا كان إلكترونيًا أم ورقيًا، وإذا كان ورقيًا فهل سيكون الكتاب مع الطالب في اللجنة، ثم يقف الجميع عاجزين عن فهم جدوى الصف الأول الثانوى حال إعلان الوزارة أن تلك السنة التي تكبد أولياء الأمور فيها نفقات الذهاب والإياب والطعام والشراب مرت بلا هدف محدد.

وما زال أولياء الأمور في محاولة لحل "لوغاريتمات" تطوير التعليم لا سيما التناقض الشديد بين فكر التعليم بالتابلت من جهة وتكدس الفصول وعدم تدريب المعلمين بشكل جاد من جهة أخرى أو حتى تحسين أوضاعهم المادية والمهنية وهو ما يشير إلى استمرار اللعنة التي حلت على "سيزيف" المصري ولكن هذه المرة يدفع ثمنها أبناؤنا الطلاب وأولياء أمورهم.

والحقيقة التي لا بد أن نسلم بها هي أن الدول النامية لا بد لها من نماذج واضحة تقتدى بها من الدول المتقدمة، بدلًا من إعادة تدوير العجلة، وهذا ليس عيبًا بل هو واجب السيد الوزير الذي أحاط نفسه بعدد من المستشارين لا مثيل لهم في أي وزارة وأغدق عليهم من موازنة الوزارة وأموال الدولة في حين تئن المدارس الحكومية من حالات البؤس والاحتياج.

واليوم ونحن نقرع ناقوس الخطر فإننا ننبه الغافلين عن أن ثمرة تلك اللعنة لن يشعر بها إلا أبناؤنا في المستقبل، فهل يحيلنا هذا الوضع إلى الأساطير العربية الفكاهية وهي أسطورة "جحا" الذي تعهد أن يُعلّم حمار الحاكم القراءة والكتابة في عشرة أعوام، وعلل جرأته على هذا القرار بأن الأعوام العشرة لن تنقضي إلا بوفاته أو وفاة الحاكم أو موت الحمار، فهل نتعلم؟.. وللحـديـث بـقـيـة.
الجريدة الرسمية