ابتسامة المصريين المسروقة
حقا أصبحنا في أمس الحاجة إلى وزارة للسعادة أو الترفيه أو إزالة الهموم والنكد من حياة المصريين، والذي أصبح سمة رئيسية في حياتنا، فتحولنا إلى آلة لا تعرف سوى البحث عن مصدر رزق وزيادة الدخل سواء عن طريق مشروع أو غير مشروع من أجل سد متطلبات الحياة، فغابت البسمة، وظهر النكد والضيق على حياة المصريين، وهنا لابد من وقفة حقيقية أتمنى أن تنتبه لها الحكومة.
كما أتمنى أن تطالب الحكومة المراكز البحثية بسرعة العمل في هذا الملف والبحث عن سارق فرحة المصريين، فالشعب المصري يستحق السعادة ولا يستحق النكد، وكلنا على يقين أن الجميع يبحثون عن السعادة كبحثهم عن الرزق، ولكن دائما ما يعودون من رحلة البحث بلا فائدة.
فمنا من يحاول أن يخلق الابتسامة في مباراة كرة أو مسلسل تليفزيوني أو خبر سعيد حتى ولو كان ليس له أساس من الصحة، فهم يبحثون عن سعادة لحظية بعد أن ضاع الحلم بالسعادة الدائمة وسط ضغوطات حياتية تبدأ من الاستيقاظ من النوم مرورا بشريط الحياة اليومية المفعم بالنكد والأخبار غير السارة، ومن هنا أطالب الدكتور مصطفى مدبولي بتدشين هيئة البحث عن السعادة، وكيفية تطبيق برامج جديدة لراحة المصريين، فالكل في أمس الحاجة إلى السعادة المسروقة.
ودع المصريون عام 2018 بحزنه وألمه ومشاكله، ولابد أن نعترف بارتفاع معدلات الطلاق والجريمة فالجميع يستيقظ كل يوم على أخبار دائما (ما تسد نفسه) عن الحياة، الشائعات تحاصره، فضلا عن ارتفاع الأسعار الذي هو كالفيروس ينخر في جدار الأسر المصرية، الروتين الحكومي والتعقيدات في الإجراءات، انحدار الاخلاق عقب ثورة 25 يناير، والإخفاق الإعلامي في إعادة التأهيل والتثقيف وغياب دور وزارة الثقافة، وانتشار الفن الهابط الذي تعتمد قصصه على البلطجة والإرهاب، وانهيار التعليم.
كل هذا بدأ يرسخ في عقول الأطفال والشباب مبادئ مختلفة عن تلك التي تربينا عليها، لدرجة أننا نتعاطف مع المجرمين في الأفلام والمسلسلات، ناهيك عن غياب القصص الهادفة التي تناقش المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الشارع المصري بعد أن اختفى دور الإنتاج في اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وتركه لأصحاب رءوس المال الباحثين عن نجم الشباك وأفلام العلب، فضاعت القيم والمبادئ، وأصبح البحث عن المكاسب هو الحل ولتذهب القيم والمبادئ للجحيم.
هنا لا بد أن يكون للدولة دور حقيقي لإعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي ومنع هذه السموم قبل أن تتسلل إلى عقول أبنائنا، فنحن في أمس الحاجة لزرع قيم المواطنة والديمقراطية والحرية المشروطة بعدم الاعتداء على حريات الآخرين، نحن في أمس الحاجة لزراعة الثقة داخلهم، والإيمان بأن مصر الوطن الأم لا بد أن نحافظ على مقدراته وثرواته.
حسنا فعل الرئيس السيسي في لقائه بالإسكندرية عندما أكد أن حق الدولة لن يضيع وأن جميع الأجهزة لا بد أن تتكاتف حتى تعود الحقوق لأصحابها، فما معنى أن يقوم رجل أعمال بتأجير الحدائق بملاليم ثم يعاود تأجيرها بالملايين، والطامة الكبري أنه لا يدفع الملاليم للدولة، منتهي الاستهانة.
لا بد أن تكون هناك صحوة لتحصيل متأخرات الضرائب وصحوة لتحصيل أموال الدولة، وأن تكون أموال الأوقاف تحت سمع وبصر الأجهزة التنفيذية، لابد أن نحارب الفساد بداية من رشوة الجنيه الواحد وحتى رشوة الملايين، لا بد وأن تسترد أرض الدولة أو تباع بأسعارها لواضعي اليد عليها، لابد وأن نحاسب المخطئ، وأن نطلق يد الأجهزة الرقابية من جديد كما كانت من أجل محاربة الفساد والمفسدين، مع السيطرة على الأسواق والقضاء على الاحتكار، وتبسيط الإجراءات ومحاسبة المخطئ وزرع الضمير بداخل الأطفال وتحميل الإعلام المسئولية سيعيد البسمة المسروقة.
نحتاج إلى من يزرع بداخلنا الثقة من جديد في الأجهزة والشركات والمسئولين في بعضنا البعض وألا يكون سوء الظن هو الأساس لأن أزمة فقدان الثقة هي السبب الرئيسي في كل هذه الأزمات.
أطالب الجميع بالتكاتف وبأن تكون المبادرة في البداية شعبية ولتكن تحت شعار "هنقدر نتغير" وأن نضع جميعا مصر نصب أعيننا، ونضع مستقبل أولادنا أمامنا، وألا نعطي الفرصة لهواة التدمير، فمصر أكبر من هؤلاء، وستحيا مصر برجالها المخلصين وأبنائها المحبين لهذا الوطن.