رئيس التحرير
عصام كامل

«أطفال داعش».. أبرياء في حضن الإرهاب.. 9 أساليب يستغلها التنظيم لجذب النشء.. مسح عقولهم وتطبيعها لخدمة أيديولوجيا التطرف.. 3 مدارس للتربية أخطرها «الفكرية والدينية».. و«التعلي

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

أصدر مركز الأزهر العالمي لمكافحة التطرف دراسة جديدة حول الأطفال في صفوف الجماعات الإرهابية وخصوصًا داعش؛ حيث يُلقي من خلالها الضوء على الإستراتيجية التي تستخدمها هذه التنظيمات في استقطاب الأطفال وما يتوفر لها من الوسائل لتجنيدهم بداية من الإغراء المادي ومرورًا بالتأثير العاطفي وحتى توظيفه لوسائل الترفيه والتطبيقات والألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الأسباب التي ساعدت على تحويل هؤلاء الأطفال إلى وحوش مفترسة، وأشارت الدراسة إلى التعليم يمثل الركيزة الأساسية التي استطاع بها داعش الوصول إلى هذه النتائج المفجعة.


أساليب داعش
وأوضح المركز أن أبرز طرق داعش لتجنيد الأطفال تتمثل فيما يلي:
- التطبيقات والألعاب الإلكترونية ومواقع الإنترنت المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة.
- أفراد العائلة من أبناء المقاتلين في صفوف تنظيم داعش أو الخطف والإكراه على انتهاج التطرف.
- الأصدقاء أو المعلمين أو الأئمة من أصحاب الفكر المتطرف.
- تنظيم الحفلات والمهرجانات والمسابقات سرًا لكسر الحاجز النفسي للأطفال.
- استخدام المدارس ومناهجها الدراسية باعتبارها ميدان من الممكن أن ينتشر فيه الفكر المتطرف.
- استغلال حب التقليد لدى الصغار ورسم صورة زائفة في عقولهم عن صورة البطل، والعزف على العوامل النفسية في حب القتل والقتال.
- استغلال عدم وعي الأطفال وكون بعضهم من أسر حديثة العهد بالإسلام.
- الاعتماد على فكرة الجهاد من خلال مفاهيم مغلوطة وإقامة الدولة وإيجاد هوية وهدف للحياة منذ الصغر وتحقيق العدالة المفقودة، لا سيّما الأطفال الذين يعانون من الصراعات.
- عن طريق المال مستغلة بذلك تردي الأوضاع الاقتصادية والظروف الاجتماعية الصعبة التي ينشأ فيها قطاع كبير من الأطفال، لا سيما في أفريقيا ومناطق النزاع.

المنظومة التعليمية لأطفال داعش
وأوضحت الدراسية أن تنظيم داعش لم يكتفي باستقطاب الأطفال، وقتل براءتهم واغتيال طفولتهم، ولا بالتفنن في طرق تجنيدهم والتغرير بهم، بل عمل جاهدًا على مسح عقولهم وتطبيعها منذ الصغر بما يتناسب مع أيديولوجياته، وما يساعده في ترسيخ مفاهيم بعينها تخدم هذه الأيديولوجية، وكان الطريق الأمثل لتحقيق وتسهيل هذه المهمة هو التركيز على التعليم ومناهجه الدراسية.

ويمكن القول إن هذا التنظيم يملك من الذكاء ما يجعله على دراية بأهمية التعليم في تشكيل وجدان وعقول وقناعات هذا النشء الذي أوقعه حظه العاثر في قبضة التنظيم الذي أعد مجموعة من المناهج الدراسية الكاملة، وحرص فيها على زرع بذرة التطرف والعنف في قلوب وعقول الأطفال أو "أشبال الخلافة" –كما يطلقون عليهم– وتنشئتهم على الأفكار المتطرفة حتى يتشبعوا بها منذ الصغر، فيضمنون ولاءهم في الكبر.

لهذا أدخل التنظيم مجموعة من الصور للأسلحة والآليات والمعدات الحربية في كتب الأطفال الدراسية ووظف تلك الصور في المسائل الحسابية (الجمع والطرح...) وفي كتب تعليم اللغة العربية، كوضعه لصورة صاروخ كمثال للحرف "ص" وصورة "قنبلة" مثال للحرف "ق" إلخ. كما فعل التنظيم الأمر ذاته مع المواد الدراسية الأخرى مثل المواد الشرعية وكتب اللغة الإنجليزية. علاوة على تخصيص حصص دراسية عملية، يقوم فيها بتعليم الأطفال والطلاب كيفية قطع الرءوس وصناعة السترات الانتحارية والعبوات الناسفة.

مدارس داعش
وأوضحت الدراسة أن المدارس الداعشية التابعة لتنظيم داعش والقاعدة والمتواجدة على أرض الواقع، والبالغ عددها حسب التقارير الدولية نحو 12 ألف مدرسة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

- المدارس الفكرية والدينية
وهي أكثر المدارس الداعشية خطورة لأنها تزرع بذرة التطرف في عقل ووجدان الأطفال وتهيئتهم للقتل باسم الدين وتُرسخ الفكر الدموي وتبث كراهية غير المسلمين في نفوسهم، وذلك عن طريق تطويع الآيات والنصوص الدينية حسب أهوائهم ووفقًا لما يخدم أيديولوجياتهم.

- المدارس القتالية
وفيها يتم تدريب الأطفال على الفنون القتالية والعسكرية بشكل عملي.

- المدارس العملية
يتعلم الأطفال في هذه المدرسة كيفية ذبح الضحايا دون رحمة أو شفقة، ويتدربون فيها على العمليات الانتحارية وحروب العصابات. وذكر أحد الفارّين من داعش، والذي يبلغ من العمر 14 عامًا أن التنظيم: "يقوم بتعليم الأطفال المقاتلين أن كل ما لديهم هو ملك للتنظيم، وبالتالي عندما يُطلب منهم التضحية بحياتهم فعليهم طاعة الأمر". كما يقوم التنظيم بتعليم الأطفال الإجابة على سؤالين هما: كيف تقتل عدوك؟ وكيف تكون مخلصًا لقائدك أو زعيم التنظيم؟

وأكدت الدراسة أن التنظيم يعمل على تخريج دفعات جاهزة للقتال لا تتجاوز أعمارهم ١٦ عامًا في مجموعات قتالية، وغالبًا ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية أو جواسيس.

وكانت أجهزة الاستخبارات الهولندية نشرت تقريرًا يوضح أن 70 طفلًا هولنديًا على الأقل يَخضعون لجميع أنواع التدريبات العسكرية على أيدي الدواعش، بدءًا من استخدام السلاح ووصولًا إلى الهجمات الانتحارية وذلك بعد التحاق ذويهم بصفوف التنظيم في سوريا.

وأوضحت الدراسة أنه حتى يتمكن التنظيم من تأسيس مدارسه في المناطق التي سيطر عليها (المناطق المنكوبة)، قام أولًا بإغلاق المدارس والجامعات وترهيب أساتذتها وطلابها من الذهاب إليها وإعطاء شريحة من المعلمين "دورة متخصصة"‏ في علوم الشريعة وفقا لمنهجه، كذلك قام التنظيم بتدمير المكتبات الموجودة بهذه المناطق وحرق آلاف الكتب والمخطوطات، ثم بدأ في استخدامها بعد ذلك لتنفيذ أجندته التعليمية التخريبية، وذلك عن طريق تحويلها لمقار تعليمية خاضعة لإشرافه المباشر.

إلغاء الفن والتاريخ
من جهة أخرى، لغى التنظيم دروس الفن والتاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والديانة المسيحية، كما طلب من المدرسين حذف أي أسئلة تتعلق بالقروض البنكية والممارسات الديمقراطية من انتخابات واستفتاءات وغيرها، ومنع مدرسي الأحياء من تدريس بعض النظريات البيولوجية المتعلقة بالجنس البشري أو الإشارة إليها ومنع تدريس القصائد الشعرية التي تعود للعصر الجاهلي ضمن مناهج اللغة العربية.

وأنه على مدار الأعوام الماضية، اضطر ما يزيد عن مليون طالب عراقي ممن يعيشون تحت وطأة تنظيم داعش إلى ترك مدارسهم أو الخضوع لمناهجه الدراسية المتطرفة؛ حيث كشف العديد من هؤلاء الطلاب، ممن حررت القوات العراقية بلداتهم، أن التنظيم تغاضى عن تعليمهم المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة وأجبرهم على تعلُّم كيفية استخدام الأسلحة وتصنيع القنابل وذبح الأسرى.

إصدار تطبيقات حديثة
ولم يكتفِ التنظيم بالمناهج التي يدرسها لطلابه في المدارس الداعشية، بل أصدر تطبيقات حديثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقوم على تعليم الكتابة العربية عن طريق صور السيوف والبنادق والرصاصات للأطفال من سن 4 سنوات وحتى 14 عامًا؛ وذلك لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار. ومن أبرز هذه التطبيقات تطبيق "حروف" الذي ذكرناه آنفا.

قيمة التعليم
إن المنظومة التعليمية هي الركيزة الأساسية في عملية بناء وتطوير المجتمعات، فالتعليم هو المحرك الرئيس في التنمية، وعليه ينبني الوعي المجتمعي، أي إن التعليم بمثابة شُرْيان الحياة بالنسبة للمجتمعات وبه تحيا الأمم. وقد أعلى الإسلام من قدر العلم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، وجعل الشهادة نصيب من يموت في سبيل طلبه وتحصيله، ورفع شأن العلماء وجعلهم ورثة الأنبياء.

وأوضح المركز أن الدواعش وغيرهم من التنظيمات الإرهابية أدركوا قيمة التعليم وطوعوه وفقا لأهوائهم الضالة؛ وعملوا جاهدين على تأسيس منظومة تعليمية خاصة بهم كي يتسنى لهم التأثير في الأجيال القادمة لضمان ولائهم وتحقيق الاستمرارية لأيديولوجيتهم وفكرهم المتطرف.

وفي سبيل الوصول لهذا الهدف يتحايل تنظيم داعش وما يشابهه من التنظيمات المتطرفة على النصوص الشرعية، ويطوعونها بالشكل الذي يتوافق مع أفكارهم المضللة وبما يكفل لهم البقاء، فلا حرج عندهم في اجتزاء النصوص وإخراجها عن سياقها؛ حتى يتحقق لهم المراد في انتهاك براءة الأطفال وتحويلهم إلى وحوش لا تتردد في الفتك بالآخرين.

وفي هذه السياق، يرى المرصد أنه إذا أردنا مكافحة حقيقية للفكر المتطرف والإرهابي، علينا البدء بالتعليم ونشر الفكر الصحيح وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر بين النشء، فإنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وضباب الجهل لا ينقشع إلا بنور العلم!
الجريدة الرسمية