رئيس التحرير
عصام كامل

أسرار الزحف العربي إلى جمهورية «الأسد».. «القاهرة» تنتصر في ملف الأزمة.. طائرات القادة العرب تهبط على أرض «دمشق».. و«سوريا المفيدة» تعود إلى جامعة الدول العربية

السوري بشار الأسد
السوري بشار الأسد

«طائرة تهبط وأخرى تقلع.. والعرب يولون وجوههم صوب سوريا».. هكذا وصفت تقارير عربية وغربية التقارب المفاجئ الحادث بين عواصم المنطقة العربية ودمشق، منذ زيارة الرئيس السودانى عمر البشير، ولقاء نظيره السوري بشار الأسد الذي اعتقد الجميع خلال السنوات الماضية أن أيامه في الحكم، وربما الحياة باتت معدودة عقب الأزمة التي شهدتها بلاده منذ مطلع 2011، بعدما لحقت بركب ثورات الربيع العربي.


سوريا المتفردة في كل شيء منذ قديم الأزل، ثورتها أيضا حملت جوانب أخرى، فقد بدأت بمطالب شعبية سليمة، حركتها وقتها ثورة «البوعزيزي» التونسية، وحملت أحلاما بتغيير الواقع من شرق المتوسط إلى غربه، لتتحول منارة دمشق الحضارية بعدها إلى مغناطيس جاذب للعناصر الإرهابية على كافة مسميات التنظيمات التي تعمل لصالحها، وباتت هدفا معلنا لـ«سكاكين الذبح» قبل قنابل القتل.

طاحونة الأزمة

دون سابق إنذار.. كشفت طاحونة الأزمة السورية وجه الغرب المخيف وخداع الأتراك وخيانة الشقيقة الصغرى قطر، فخلال السنوات التي سبقت هذا الحراك المسلح الذي مزق أراضي الدولة، كانت دمشق الوجهة المفضلة لثنائي الشر، العثماني «رجب طيب أردوغان»، والعربي «تميم بن حمد» ومن قبله أبيه.. على الأرض فتح الرئيس التركي حدود بلاده أمام العناصر الإرهابية من كل صوب وحدب لتمريرهم إلى الدولة الممزقة، ومن الجو بدأت قطر في نقل الأموال إلى الميلشيات الإرهابية، وجعلت من قناتها –الجزيرة- ذراعا إعلامية لما تسمى «جبهة النصرة»، وقدمت زعيمها أبومحمد الجولاني إلى العالم.

ثنائي الشر لم يفت الفرصة للمطالبة بقتل الأسد، الذي كان صديقهما المقرب، فلم تخل كلمة لهما أمام أي محفل دولى من فقرات مطولة للحديث عن ديكتاتورية بشار، والمطالبة بإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية بهدف تعليق رقبته على المشانق العالمية، أيضا صحف أنقرة والدوحة، وبمعاونة مداد أقلام عناصر جماعة الإخوان الإرهابية على مختلف فروعها، سخرت ومولت للتحريض على صديق الأمس الذي كان تصفه حتى وقت قريب بحليف موثوق في «محور الممانعة»، إلى عدو مهدور دمه.

معادلة معقدة 

في قلب هذه المعادلة المعقدة ومع وقوف عدد من عواصم المنطقة العربية في صف الهجوم على سوريا والمطالبة بتمزيقها على مرأى ومسمع من الجميع، جمدت الجامعة العربية مقعد دمشق، وفرض الأخوة الأعداء عزلة على شقيقهم، متجاهلين تحذيراته من خطورة ما يحدث في بلاده على أمن المنطقة، وتأكيده محاربته للإرهاب نيابة عن الجميع.

رغم اعتراف القاهرة أيضا بأخطاء النظام السوري، لكنها بوعى قومي أدركت خطورة ما يحاك ضد جناح مهم في المنطقة، وكانت من أوائل الرافضين لإسقاط الدولة السورية، وتمسكت بوحدة وصيانة أراضيها، وخلال أول كلمة له في الأمم المتحدة كرئيس لمصر، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذه النقطة، ولم يتراجع عنها بكلماته التالية رغم تربص الآلة الإعلامية المناهضة لهذا الأمر، وتبنت حينها حملات ممنهجة لتشويه مقصده.

مفاجآت يناير

قبل نهاية العام الماضي 2018 بأيام، أثبتت التجربة صحة وجهة النظر المصرية، ووصل «البشير» السوداني إلى دمشق، وأعادت الإمارات افتتاح سفارتها لتليها البحرين ومن بعدها الكويت، والمملكة العربية السعودية التي دخلت مع القاهرة سابقا في أزمة معلنة بسبب التناقض حول سوريا، وشهدت قاعات مجلس الأمن إحدى هذه الخلافات، في نهاية المطاف بدأت تنادي بضرورة الحل السياسي للأزمة، وسربت تقارير حول عدم ممانعتها عودة سوريا لشغل مقعدها الشاغر في جامعة الدول العربية، لتنتظر المنطقة بكاملها خلال يناير الجاري مفاجآت بالجملة في هذا الملف، وسط احتمالات برؤية زعماء عرب بارزين في دمشق، أو استقبال «الأسد» في دول عربية كبرى.

دوائر الاستخبارات

السؤال الذي يطرحه الجميع الآن بعد هذا الحراك، سر ذهاب العرب الجماعى إلى سوريا بعد مقاطعة امتدت لعدة أعوام؟ الإجابة الواضحة بحسب دوائر دبلوماسية عربية تتحدث حتى الآن خلف ستار أجهزة الاستخبارات الإقليمية الفاعل الحقيقي في معادلة التقارب، تتمحور حول عدة أسباب دفعت الجميع لاحتواء الشقيقة المعزولة.

سوريا المفيدة

أولا.. بات الجميع على قناعة بأن نظرية «سوريا المفيدة» التي طرحتها قوى إقليمية ودولية قصدت به تقسم الدولة على أساس طائفي ومذهبي، بين السنة والعلويين والأكراد، لينتهي بها المطاف إلى دويلات صغيرة تقتنص داخلهم التيارات الإرهابية بؤر لتوطين عناصرها.

وجهة النظر المصرية التي عملت عليها في هذا الملف منذ بدايته كانت على عكس هذه النظرية، واعتبرت أن سوريا يجب أن تكون مفيدة لإقليمها وجوارها العربي، وعدم السماح بتركها رهينة للجميع، ولعل زيارة رئيس الاستخبارات السورية اللواء علي مملوك إلى القاهرة والتي تزامنت مع الزحف العربى إلى بلاده، كان محور مباحثاته مع نظيره المصري اللواء عباس كامل، قبل الاحتفال الرسمي بالعرس العربى الجماعى احتفالا بعودة جمهورية سوريا العربية.

تمدد تركيا

ثانيا.. بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا، ومحاولة رئيسها دونالد ترامب، جعل أردوغان وصيا على أرض عربية بقوله له خلال مكالمة هاتفية: «سوريا كلها لك» بذريعة مكافحة الإرهاب، ومثل هذه المعادلة قد تشكل أزمة إقليمية محفوفة بالمخاطر الجيوسياسية، بعدما كشفت تركيا خلال السنوات الماضية عن أطماعها الاستعمارية، وتمكينها من سوريا مع وجودها الاحتلالي في شمال العراق، وقاعدته الحالية بقطر الأمر الذي يعني عمليا محاصرتها لدول الخليج العربي من جميع الاتجاهات بمرور الوقت، وفرض هيمنتها العسكرية لإعادة حلم الخلافة العثمانية.

الوجود الإيراني

ثالثا.. الوجود الإيراني الفاعل هناك أيضا، والذي أغفله العرب على مدى السنوات الماضية، أدرك الجميع خطورته حاليا، ويسعى جاهدا لحصاره قبل إعلان احتلالها سوريا رسميا بسيناريو شبيه بما حدث في العراق عبر زراعة رجالها في مكونات الدولة السياسية بتمويل أحزاب موالية وشخصيات تنتظر الإشارة من طهران لتنفيذ قائمة طلبات، يعجز الأسد عن رفضها بعدما استعان بالجمهورية الإسلامية لمساندته في ظل تراخي المنظومة العربية وتشجيعها سابقا على تمزيق بلاده.

تصدير الإرهاب

رابعا.. انسحاب واشنطن المفاجئ بعد تحقيق أغراضها وترك المنطقة ملغمة بعناصر إرهابية، بات الخطر الأكبر الذي يواجه المنطقة بكاملها هو ملف «العائدون من سوريا»، وما تمتلكه استخبارات دمشق من ملف كامل حول هذا العناصر وجنسياته، وخطط واشنطن وأنقرة لنقلها إلى وطنهم الأم، والتعاون الأمني والتنسيق العربى مع الدولة السورية في هذا الملف، من شأنه تحصين العالم العربي من ذئاب منفردة تتربص على الحدود، وتتأهب لتنفيذ مخططات إرهابية بالجملة في ربوع المنطقة.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية